فجر يوم جديد: نبوءات «الدكتاتور}!
أستعيد الآن مشهد النقاد وهم يغادرون سينما {التحرير} عقب العرض الخاص لفيلم {الدكتاتور}، تنتابهم حالة من الغضب والاستياء حيال المستوى الفني الضعيف للفيلم الذي كتب قصته الممثل خالد سرحان وأدى بطولته وربما موله، وأخرجه إيهاب لمعي. بعدها تكرر المشهد في صالات العرض التجارية؛ حيث واجه {الدكتاتور} إخفاقاً آخر تمثل بانصراف الجمهور عنه، ولم يُحقق نجاحاً يُذكر. حدث ذلك في سبتمبر 2009، لكن، فجأة، وبعد مضي سنتين تقريباً من الواقعة، أصبح بالإمكان قراءة فيلم {الدكتاتور} بوصفه مجموعة من النبوءات القريبة من تلك التي كتبها الصيدلاني والمُنَجّم الفرنسي ميشيل دي نوسترادام (ديسمبر 1503 - يوليو 1566) المعروف بـ {نوستراداموس} في كتابه الشهير {النبوءات}!
تنبأ {نوستراداموس} بالأحداث الكبرى في زمنه، وتلك المستقبلية التي يتوقع حدوثها إلى نهاية العالم، وتنبأ فيلم {الدكتاتور}، سيناريو إيهاب لمعي وعلاء حسن وحوار ميشيل نبيل، بأحداث عاشتها مصر في الآونة الأخيرة، رغم مظاهر التعتيم التي فرضها أصحاب الفيلم على وجهة النظر السياسية له، خشية تعنت الرقابة أو إقدامها على اتخاذ قرار بحظر عرض الفيلم!تبدأ أحداث {الدكتاتور} بمشهد بلدة ينعق فيها البوم والغربان يُطلق عليها {الراوي} اسم {بامبوزيا}، واصفاً إياها بأنها {دولة عريقة ساهمت بنصيب الأسد في الحضارة الإنسانية، وجعل منها موقعها الاستراتيجي مطمعاً للغزاة على مر العصور. لكن، بفضل صمود شعبها البطل الذي دفع ثمن الحرية من دم شهدائه، ازدهرت ولقّنت العالم أصول الديمقراطية وحقوق الإنسان}.ويُضيف: {كانت جمهورية {بامبوزيا} مثلاً يُحتذى به في تداول السلطة}، بينما تنطق الصورة بأن حكامها مجموعة من {الجنرالات} يحتكرون السلطة، على رأسهم {شنن الجيوشي} (حسن حسني) الذي تولى الحكم بعد انقلاب انتهى بإطلاق الرصاص على سلفه في {ثورة بيضاء} كما يراها! أظهر السيناريو والمخرج من بعده، التناقض بين ما يقوله {الراوي} وبين {الصورة}؛ فالاستقرار الذي تنعم به {بامبوزيا} بفضل القرارات الحكيمة للحاكم، حسبما يقول الراوي، ليس سوى قهر وفقر، ويزعم {الجيوشي}، لاحظ مغزى الاسم، أنه {ديمقراطي} بينما يحتفظ في قصره بصور هتلر وموسوليني، ويراهما قائدين عظيمين ومُصلحَين، ويخشى الانتخابات الرئاسية النزيهة التي تطارده في {كوابيسه}!تحتدم أحداث {الدكتاتور} بظهور ولديه {حكيم وعزيز} (يجسد خالد سرحان الشخصيتين) فيعيثان في الوطن فساداً، هنا يُجبرك المشهد على تذكر علاء وجمال وعدي وقصي وسيف الإسلام والساعدي؛ فأحدهما يطمح إلى وراثة أبيه في الحكم بينما الثاني يعيش حياة لا تخلو من مجون، ويبدو الأب بلا حول ولا قوة، بسبب تقدمه في السنّ، وارتمائه في أحضان بطانة فاسدة، ومستشارين أكثر فساداً يجهلون جميعاً موعد العيد الوطني، ولما تذكروه تصوروا أن {الوطن} مجرد {كعكة} فأمعنوا فيه تمزيقاً وتقسيماً والتهاماً!على النهج نفسه وظف المخرج الأغنية الوطنية لرصد الحالة الرثة التي وصل إليها شعب يصارع لأجل لقمة العيش، وفي حين يتجه {حكيم} إلى بيع مؤسسات الدولة بثمن بخس مقابل عمولة يتقاضاها، يتابع {عزيز}، الذي يُقدمه المخرج وهو يخرج دائماً من تحت الأرض في إيحاء إلى انحطاط أخلاقه، نزقه وعربدته ولياليه الحمراء التي يتكتّم عليها من خلال فرض رقابة على الإعلام، ومع ذيوع فضائحه يتم إبعاده إلى مصر؛ التي تشهد نزواته الجديدة، ويصل جبروته إلى حد شراء الذمم الضعيفة وتحويل سفارة بلده إلى ماخور! في توقيت مواز تعم التظاهرات شوارع {بامبوزيا}، وتفشل الأجهزة الأمنية في ردع المتظاهرين الذي يحرقون صور {الدكتاتور}، ويصفهم {حكيم} بأنهم قلة مندسة، ومع إضرام النار في القصر الجمهوري يسقط النظام، ويتم اعتقال {الطاغية}، وولده {حكيم}، ويجردان من رتبهما العسكرية، ويتولى الجيش زمام الأمور في البلاد، وفي لحظة تنفيذ الحكم بإعدام {الدكتاتور} وابنه شنقاً، تُفجّر منصة الإعدام ويُهرّبان بواسطة {الأشعث}، لاحظ توجه الاسم، الذي يقتادهما إلى {بحر الظلمات} ثم {غابة الأشباح}، ويتعرض {عزيز} والبطانة، الفلول، للمطاردة، لكن تنجح الثورة المضادة في إعادة {المعزول} وولده إلى سدّة الحكم، ويعود {عزيز} إلى مجونه!نجح {الدكتاتور} في قراءة المشهد السياسي، لكن النهاية بدت انهزامية ومُحبطة للغاية؛ فالسخرية من {الشعوب الحرة في العالم} و{شمس الحرية التي أشرقت من جديد، وانقشعت معها غيوم الظلم والاستبداد}، و}البطل الذي عاد فعادت معه الحياة إلى شعب بامبوزيا}، وإحراق كوخ {الأشعث}، الذي شارك في الانقلاب، بدت وكأنها رسالة طمأنة، من أصحاب الفيلم، بأن {التغيير} مستحيل، و{الثورة} إلى زوال... ويا لها من رسالة {رجعية} بامتياز!