المفترض أنه لا خلاف على أن الأميركيين ومعهم التوجهات الغربية المؤثرة كانوا عشية الربيع العربي ومع بدايته يراهنون على أن "البديل" للأنظمة العربية المرشحة للتغيير والسقوط هو الإخوان المسلمون ولذلك، وهذا اتضح أكثر ما اتضح في مصر، فقد كان هناك ذلك الضغط الأميركي على حسني مبارك لحمله على التنحي، حيث كان باراك أوباما يظهر في اليوم الواحد مرات عدة ليطالب الرئيس المصري السابق بالتنحي، وكان في فترة لاحقة يواصل الالحاح على المشير محمد طنطاوي بالإسراع في تسليم السلطة للمدنيين، وبالطبع فإن المقصود بهذا كان "الجماعة" الإخوانية التي تتهمها المعارضة بأنها اختلست "الثورة" اختلاساً، وأنها بإسناد أميركي انتزعت الفوز بالرئاسة من يد أحمد شفيق، تحت وطأة التهديد بالعنف والقوة المسلحة.

Ad

إن هذا ليس من قبيل التجني والتحامل، فالأميركيون بدأوا يبحثون عن بديل للرئيس السابق حسني مبارك في فترة مبكرة، خوفاً من أن تغرق مصر في الفوضى، وخوفاً من أن يصيبها ما أصاب العراق وما أصاب أفغانستان، والأهم خوفاً على معاهدة كامب ديفيد التي أبرمها السادات مع إسرائيل، ولذلك ولأنهم، أي الأميركيون، لم يجدوا مَنْ مِنَ الممكن أن يكون البديل المطلوب والمنشود فقد وقع خيارهم على الإخوان المسلمين، وهنا يجب تأكيد، ليس مرة واحدة وإنما ألف مرة، أن هذا لا يعني اتهام هذه "الجماعة"، لا سمح الله، بالعمالة للولايات المتحدة، بل يعني أن العمل السياسي مصالح، وأن مصلحة واشنطن في هذا المجال قد التقت مع مصلحة "الإخوان" عند نقطة واحدة.

كان الأميركيون يعتقدون أن "الإخوان" هم وحدهم القادرون على ملء الفراغ بعد إزاحة حسني مبارك، وإسقاط نظامه، وأنهم بالتالي الوحيدون الذين لديهم القدرة على ضبط الأمور وتجنيب مصر، التي هي بيضة القبان في المنطقة العربية، الفوضى والخضات الأمنية، لكن هذا الرهان ما لبث أن تلاشى حتى قبل أن يصيح الديك، كما يقال، وثبت للأميركيين وغيرهم أن الجماعة الإخوانية غير مؤهلة إطلاقاً لهذا الدور التاريخي، بل إن تمسكها بالحكم بالنواجذ، وعلى هذا النحو، هو الذي سيلقي بهذا البلد في مستنقع الاضطرابات وعدم الاستقرار وفتح المجال أمام القوى المتطرفة والإرهابية.

وهكذا فقد انتهى رهان الأميركيين على الدور التاريخي المفترض للإخوان المسلمين، سواء في مصر أو في تونس أو في سورية وأيضاً في الأردن وفي بعض دول الخليج، فالولايات المتحدة بقيت ومنذ سنوات نهايات أربعينيات القرن الماضي، تخشى على منطقة الشرق الأوسط الحساسة والهامة من الفراغ الذي ستملأه الشيوعية الزاحفة من الشرق، مع تمدد الاتحاد السوفياتي، ولاحقاً من أن يملأه التطرف والقوى الأصولية التي عنوانها "القاعدة"، ولذلك فإن الولايات المتحدة كما كانت راهنت على القوى والأحزاب القومية وفشلت فإنها مع مطلع هذه الألفية الثالثة باتت تراهن على ما يُدعى الإسلام السياسي المعتدل، الذي تمثله "الجماعة" الإخوانية، وقد فشلت في رهانها هذا أيضاً فشلاً ذريعاً وبسرعة.

إنه بالإمكان الجزم بأن الإخوان المسلمين قد فشلوا فشلاً ذريعاً في مهمة ملء الفراغ الناجم عن اهتراء بعض الأنظمة العربية وسقوطها، والدليل ما يجري في مصر الآن، وما يجري في تونس، وأن "الإخوان" الأردنيين قد وصل بهم الارتباك إلى حد انعدام قدرتهم حتى على ضبط ومعالجة أوضاعهم الداخلية، وكل هذا وبينما أصبح حكم "حماس" في غزة مضرب مثل سيئ، سواء على الصعيد السياسي أو بالنسبة للأمور الاجتماعية.

وهذا يعني أنه مادام أن هذا الرهان، أي الرهان على دور تاريخي سيلعبه الإخوان المسلمون بعد سقوط تجربة الأحزاب القومية واليسارية كلها بدون استثناء، قد سقط مبكراً وبكل هذه السرعة، فإنه لا أمل، والأمل بالله وحده، إلا بالالتفات نحو التوجهات العلمانية والليبرالية المتمثلة في جبهة الإنقاذ في مصر، والمتمثلة في بعض البؤر الصغيرة في العديد من الدول العربية سواء في مغرب الوطن العربي أو في مشرقه.