صواريخ «الكروز» لن تكون كافية في سورية

نشر في 29-08-2013
آخر تحديث 29-08-2013 | 00:01
فداحة انتهاك الحكومة السورية أحد المحظورات المهمة، وفظاعة هذا العمل سترغم على الأرجح الرئيس الأميركي (الفخور بسمعته كرئيس أنهى الحروب) على إرسال طائراته مرة أخرى إلى الشرق الأوسط.
 واشنطن بوست    بعد الإشراف على دراسة سلاح الجو الأميركي الرسمية عن حرب الخليج العربي عام 1994، استخلصتُ: “تُعتبر القوة الجوية شكلاً مغرياً من أشكال القوة العسكرية. ويعود ذلك في جزء منه إلى أنها تقدم، على غرار المغازلة، نوعاً من الاكتفاء من دون الالتزام”، ولا تزال خلاصتي هذه دقيقة، فهي تبرر حماسة إدارة أوباما لحملة الاغتيالات الواسعة التي نفذتها الطائرات بدون طيار ضد إرهابيي “القاعدة”. وتنطبق هذه الخلاصة بشكل خاص على احتمال شن هجوم ضد الحكومة السورية تقوده الولايات المتحدة، رداً على استخدام نظام الأسد أسلحة كيماوية ضد المدنيين.

أوقع الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه في هذا المأزق، فما عاد بإمكانه تجاهل إعلانه “الخط الأحمر”، لكن رئيس هيئة الأركان المشتركة، في انتهاك للعلاقة المدنية-العسكرية الملائمة، عبر علانية عن شكوكه حيال استخدام أي شكل من أشكال القوة في سورية، لكن فداحة انتهاك الحكومة السورية أحد المحظورات المهمة وفظاعة هذا العمل سترغم على الأرجح الرئيس الأميركي (الفخور بسمعته كرئيس أنهى الحروب) على إرسال طائراته مرة أخرى إلى الشرق الأوسط.

تميل إدارة أوباما إلى السير على خطى إدارة كلينتون: تطلق عدداً من صواريخ الكروز، تهنئ نفسها بما حققته، ثم تحاول تغيير الموضوع، لكن هذه العملية لن تفلح في سورية، فيستطيع نظام أقلية يحارب من أجل بقائه مثل نظام الأسد، تحمل بضع ضربات، والأهم من ذلك ألا أحد (عدو أو صديق أو محايد) سينخدع بخطوة مماثلة. صحيح أن الولايات المتحدة تُعتبر اليوم ضعيفة في هذه المنطقة، إلا أنها ستبدو أكثر ضعفا إن قرر أوباما التحرك من دون تحقيق أهداف تُذكر، فإطلاق مجموعة من الصواريخ على سورية سيشكل مساراً أكثر فشلاً من تمسكنا بمبادئنا ورفضنا اتخاذ أي خطوات.

ستستهدف حملة القصف الجوية أهدافاً بارزة، والأكثر بروزاً بينها سلاح الجو السوري، الذي كان يرأسه والد بشار الأسد في الماضي، والذي يمنح النظام تفوقاً واضحاً على الثوار، فضلاً عن نظام الدفاع الجوي ومطارات البلاد التي تُستخدم لنقل المساعدة الإيرانية، ولكن إن اختارت إدارة أوباما أي نوع من حملات القصف، فعليها أن تواجه بعض الوقائع المرة.

أولاً، لن تكون هذه العملية حاسمة، بخلاف ما يأمله بعض أنصار الحملة الجوية، فقلما تكون الغارات الجوية حاسمة، مهما بلغت قوتها، رغم ما يدعيه مسؤولو الإدارة الأميركية عن حملة الطائرات بدون طيار، التي نعرف اليوم جيداً أنها أودت بحياة الكثير من المدنيين، فضلاً عن ذلك، ستُوقع هذه الحملة الجوية العنيفة بدورها عدداً كبير من الضحايا المدنيين، ولن يقتصر هؤلاء الضحايا على السوريين، فقد يكون بعضهم أميركيين أو من دول حليفة لأن فكرة تنفيذ عملية عسكرية كبيرة من دون أي مخاطر سخيفة.

ستحتاج الإدارة الأميركية أيضا إلى تفويض الكونغرس، فرغم تمسك أوباما المزعوم بالشفافية والتفاصيل الدستورية، أعرب مراراً عن تردده في الحصول على تفويض الكونغرس لاستخدام القوة، وبدا ذلك جلياً خلال العملية الليبية عام 2011. ولكن حتى لو سعى أوباما للحصول على هذا التفويض بعد بدء العملية، إلا أنه لن يتمكن من تفادي ذلك لأن هذه العملية تتطلب استخدام مقدار كبير من القوة، ما يجعلها عملا حربيا.

بالإضافة إلى ذلك، قد لا تنتهي هذه العملية بالنصر، فعندما أعلن الرئيس الأميركي النهاية الوشيكة للحرب ضد تنظيم “القاعدة”، تجاهل واقعاً أساسياً في كل استراتيجية: لهذه اللعبة طرفان على الأقل، ويعود قرار إنهائها إلى الطرف الآخر، لا إلينا نحن، وفي هذه الحالة، لا تستطيع الحكومة السورية أو رعاتها الإيرانيون أو “حزب الله” أو حلفاؤها الروس أو الصينيون تجاهل حملة قصف مماثلة، لكن لاعبي الشطرنج الذين لا يفكرون إلا في خطوة تالية واحدة عادة ما يخسرون، وكذلك الرؤساء الذين يظنون أنهم يستطيعون شن الهجمات ليوم أو يومين ليحققوا النصر بعد ذلك، فقد تنعكس تداعيات هذه العملية على الدول المجاورة، حتى إنها قد تصل إلى الولايات المتحدة، وما من مبرر لتجاهل هذا الواقع.

ولكن رغم كل هذه الوقائع، فإنه من غير المقبول في هذه المرحلة ووفق معايير إدارة أوباما الخاصة عدم اتخاذ أي خطوة.

قاربت عمليات القتل في سورية (مع تجاوز عدد القتلى المئة ألف)، التي تجاهلها المجتمع الدولي فترة طويلة، من المجازر المهولة التي ارتُكبت في رواندا، علماً أن سورية تتمتع بأهمية أكبر من الناحية الاستراتيجية، وفات الأوان (ربما كثيراً) للحؤول دون تحول سورية إلى أفغانستان جديدة أو يمن ثانٍ، وهما دولتان تعتبران مرتعاً للجهاد المناهض للغرب، كذلك سبق أن انتُهك أحد ردود الفعل الأخطر، ألا وهو استخدام الأسلحة الكيماوية.

علاوة على ذلك، تبدو مكانة الولايات المتحدة اليوم على المحك، فلمَ يأخذ أحد تهديدات أوباما في أي مكان (ووعوده أيضاً) على محمل الجد، إذا لم يتخذ خطوات فاعلة في الشأن السوري؟ يتطلب الوقوف مكتوف اليدين قرارا أيضا، وهو بالتأكيد قرار يفضي إلى نتيجة أسوأ مما ينتظرنا في حال وجهنا ضربة إلى سورية.

ذكر جنرال بريطاني ذات مرة: “الحرب خيار صعب”، وهنا ينشأ السؤال: هل يزيد الرئيس الطين بلة بإقناعه نفسه أنه توصل إلى حل محدود لمشكلة معقدة؟ لكنه لن يقنع أحداً غير نفسه.

Eliot Cohen

*  أستاذ في جامعة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة أشرف على دراسة “القوة الجوية في حرب الخليج” الخاصة بسلاح الجو الأميركي بين عامَي 1991 و1993.

back to top