نتركها لمن؟!
ليس من المستغرب في ظل هذه الأجواء غير السليمة استخدام شعارات غير سياسية وغير ديمقراطية مثل «نتركها لمن؟!»، وذلك لحث الناس على المشاركة في انتخابات مرسوم الضرورة ترشحاً وتصويتاً رغم ما في هذه الشعارات من انتهازية فجة ودعوة صريحة للكراهية، وتحريض على الفتنة، وهو ما يتنافى مع الأسس التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية.
في الدول الديمقراطية الحقيقية تعتبر الانتخابات العامة فرصة لنقاش عام حول حاضر الوطن ومستقبله، تساهم فيه الأحزاب السياسية التي تخوض الانتخابات بجانب قوى المجتمع المدني، بحيث يكون أمام الحكومة القادمة التي تشكل بناء على نتائج الانتخابات صورة واضحة عن المشاكل العامة التي تواجه المجتمع وعن توجهات الرأي العام، والمطالب الشعبية تكون هي المرتكز الرئيسي لسياساتها العامة خلال فترة ولايتها القانونية.أما لدينا فلا يزال الشكل يطغى على المضمون رغم مضي نصف قرن على بداية العهد الدستوري الذي وضع الأسس الأولية للعمل البرلماني، فليس لدينا أحزاب سياسية مشهرة تخوض الانتخابات ببرامج عامة، بل لدينا مرشحون بعضهم، إن لم يكن أغلبهم، ليس لديهم أي اهتمام البتة بالشأن العام، ولا يعرفون ألف باء السياسة، ولم يمارسوا في حياتهم قط أي عمل سياسي أو عام؛ لذلك يخوضون الانتخابات العامة لأهداف شخصية بحتة أو طائفية وفئوية وليس لأهداف عامة تحقق المصلحة العامة.
وعلى الجانب الآخر ونظراً لعدم تداول السلطة التنفيذية فإن النهج الحكومي لدينا ثابت رغم بعض التعديلات الشكلية (المحاصصة) التي تتم بعد كل انتخابات، حيث لا علاقة لسياسات الحكومة بنتائج الانتخابات العامة، وقد أتى مرسوم الصوت الواحد ليزيد الطين بلة، حيث إنه أخل بقواعد العملية السياسية الديمقراطية ووضع أوراق اللعبة كلها بيد الحكومة، وهو الأمر الذي حوّل مجلس الأمة من مجلس شعبي له دور رقابي وتشريعي إلى مجلس شكلي تديره الحكومة التي بإمكانها تغيير قواعد اللعبة السياسية متى ما شاءت.وكما نلاحظ هذه الأيام، فقد فقدت الانتخابات العامة قيمتها النسبية ووهجها السياسي السابق، فلم تعد جاذبة لجمهور الناخبين الذين اكتشفوا أن ما يطرحه المرشحون أثناء الانتخابات ليس سوى كلام إنشائي لا قيمة له، فالحكومة هي من سيقرر في النهاية حيث لا دور للأغلبية العظمى من نواب مجلس الصوت الواحد، كما رأينا في المجلس المُبطل، سوى تضخيم منافعهم الشخصية والإشادة بأعمال الحكومة، ثم مناشدتها لحل المشاكل العامة بدلا من مراقبة أعمالها ومحاسبتها كما يفترض بنواب الأمة الحقيقيين.لهذا، فليس من المستغرب في ظل هذه الأجواء غير السليمة استخدام شعارات غير سياسية وغير ديمقراطية مثل "نتركها لمن؟!"، وذلك لحث الناس على المشاركة في انتخابات مرسوم الضرورة ترشحاً وتصويتاً رغم ما في هذه الشعارات من انتهازية فجة ودعوة صريحة للكراهية، وتحريض على الفتنة، وهو ما يتنافى مع الأسس التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية.