الأخضر أكبر!
![د. ساجد العبدلي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1461946551445173900/1461946567000/1280x960.jpg)
لكن مشكلة الإنسان الأزلية هي أن عينه تسقط كالعدسة المكبرة على تلك المساحات الصفراء في حياته قبل الخضراء لتكبرها أضعاف حجمها الحقيقي، فينشغل بها وينصرف عقله عن كل ما سواها حتى تصبح شغله الشاغل ولا شيء غيرها، ليجد نفسه وقد غرق في بحر الهم والنكد حتى لا يكاد يقوى على الخروج منه. لكن المشكلة الكبرى هي أن هذا الانشغال الدائم بمساحات الأصفر في حياتنا قد يكون له من الأثر السلبي أكثر بكثير من انشغال الفكر وتعب النفس، وذلك لأن الانصراف عن المساحات الخضراء في حياة الإنسان وتجاهل رعايتها والاعتناء بها أثناء انشغاله بمواجهة المساحات التي تقض مضجعه وتشغل باله، قد يحيلها بدورها إلى مساحات صفراء أخرى، وذلك حين يذبل ما فيها من أشجار وأزهار وورود.انشغال المرء بهموم العمل ومشاغل الحياة العامة ومشاكلها على حساب بيته وأسرته وأهله وأصحابه سيخلق له على مدى الأيام مشاكل في هذه الجوانب أيضا، وسيكتشف مع الوقت أن مساحات الأصفر قد تمددت إلى تلك المساحات التي كانت خضراء جميلة في وقت من الأوقات، فلا هو الذي استطاع أن يعالج تلك الصفراء التي شغلته واستأثرت بوقته، ولا هو الذي استطاع المحافظة على ما كان بين يديه جميلا زاهرا.رعاية المساحات الخضراء في حياتنا أمر لا يحتمل التأجيل، ولا أعني بهذا أن ينصرف الإنسان بالكلية عن مواجهة التحديات التي تعترض طريقه في العمل وفي حياته العامة بدعوى أنه يريد أن يركز على الأخضر فحسب، إنما المقصود هو أن يحافظ على ضبط الميزان دائما وبقدر استطاعته، وأن يتذكر طوال الوقت أن في مقابل كل شبر من تلك المساحة الصفراء في حياته توجد عشرات الأمتار من المساحة الخضراء الجميلة الزاهية مما أنعم الله عليه من فضله، سواء في عافيته أو في أهله أو في ماله أو في وظيفته أو في أمنه وأمانه أو في غير ذلك من الأمور الكثيرة الأخرى، وأن هذه المساحات الخضراء بحاجة إلى الاعتناء والرعاية والحب والشكر بشكل دائم وإلا فإنها قد تذبل وتذوي وتضيع.