رأت قوى «14 آذار» في ضوء الخطاب الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أنها كانت محقة في قرارها مقاطعة جلسات الحوار التي دعا إليها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، خصوصاً لناحية اعتبارها أن «حزب الله» يسعى إلى تشتيت البحث في مواضيع وملفات لا علاقة لها بالملف الأساسي المتمثل في وضع سلاحه تحت إمرة الدولة اللبنانية.

Ad

واعتبر مرجع قيادي في قوى «14 آذار» أن الالتفاف على جوهر المشكلة، المتمثلة في تفرد «حزب الله» بقرارات السلم والحرب وفي استخدام سلاحه وفقاً لمصالحه السياسية الداخلية ولاعتبارات إقليمية سورية وإيرانية، مستمر منذ عام 2006، من خلال التلاعب بمفهوم «الاستراتيجية الدفاعية» والاجتهاد في تفسيرها على نحو يسمح للحزب بالإبقاء على سلاحه خارجاً عن سلطة الدولة ومؤسساتها الشرعية والدستورية إلى ما لا نهاية.

ويشير المرجع المذكور في هذا المجال إلى أن «حزب الله» تدرج في تبرير دور سلاحه تبعاً لتطور الظروف السياسية وخدمة لاستراتيجيته الخاصة المرتبطة باستراتيجية المصالح الإقليمية الإيرانية والسورية.

فقبل الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000 حدد «حزب الله» وظيفة «تحرير الأراضي المحتلة» لسلاحه، لكنه بعد التحرير غيَّر الوظيفة من «تحرير الأرض» إلى «الدفاع عن الأرض المحررة». وفي وقت لاحق، وبعد حرب يوليو 2006، استبدل «حزب الله» وظيفتي «التحرير والدفاع» بوظيفة «الردع» بحجة منع إسرائيل من الاعتداء على لبنان قبل أن يحدد في 7 مايو 2008 وظيفة جديدة لسلاحه لتبرير استخدامه في الداخل وهي «الدفاع عن السلاح بالسلاح». أما الخطاب الأخير للأمين العام لـ»حزب الله» فقد حمل وظيفة جديدة للسلاح تمثلت في ما وصفه بأنه «الدفاع عن نفط لبنان».

وترى جهات قيادية في قوى «14 آذار» هذا التدرج في وظائف السلاح التي يحددها «حزب الله» لنفسه إعلاناً صريحاً وواضحاً عن عدم استعداده للتخلي عن دوره العسكري المستقل عن الدولة اللبنانية والسياسات التي ترسمها الحكومة الشرعية ومؤسساتها الدستورية، وبحثاً مستمراً عن الحجج والذرائع التي تسمح له بالاحتفاظ بسلاحه كقوة مؤثرة وفاعلة في الحياة السياسية اللبنانية بمعزل عن المخاطر التي تشكلها إسرائيل.

وفي اعتقاد قوى «14 آذار» فإن «حزب الله» يعمل على المضي قدماً في مصادرة جزء أساسي وسيادي من مسؤولية الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وهو جزء غير قابل للتفاوض، لأنه لا علاقة له بالتفاصيل السياسية بل يرتبط عضوياً بمبدأ قيام الدولة، وبمفهوم سيادة المؤسسات الشرعية، وبمرجعية النظام السياسي اللبناني والدستور المنبثق عنه والقوانين المتفرعة.

وتخلص قيادات في قوى «14 آذار»، في ضوء هذه القراءة، إلى تأكيد أنها كانت على حق في قرارها مقاطعة الحوار انطلاقاً من سعي «حزب الله» إلى استغلال طاولة الحوار من أجل تكريس الأمر الواقع القائم، وليس من أجل الانتقال من حالة السلاح غير الشرعي إلى حالة الشرعية الكاملة. فـ»حزب الله» في رأي هذه القيادات يسعى إلى الاستفادة من لعبة الوقت لتأمين الغطاء السياسي اللبناني لممارساته الخارجة عن الدستور والقوانين وإجماع اللبنانيين. من هنا يأتي التمسك بقرار مقاطعة جلسات الحوار إلى أن يتراجع الحزب عن مناوراته ويترجم حسن نواياه باستقالة الحكومة الحالية التي تعتبرها قوى «14 آذار» ترجمة فاضحة للمفاعيل الداخلية لسلاح «حزب الله» وتأثيراته في الحياة السياسية اللبنانية وتركيبة السلطة، خصوصاً عشية الانتخابات النيابية المقررة في يونيو المقبل.