في البداية أود أن أسجل للمستشار أحمد إسماعيل وزير العدل الحالي في مصر، أنه كان موفقاً في اللقاء مع المذيع القدير خيري رمضان على قناة C.C.B يوم الخميس الماضي، بما لم يوفق فيه سلفه المستشار أحمد مكي وزير العدل السابق الذي أساء إلى نفسه، عندما قبل الحقيبة الوزارية لوزارة العدل، وما يفرضه عليه المنصب من مسؤولية سياسية لم يدرك أبعادها، باعتباره قامة كبيرة من قامات القضاء ومن تيار الاستقلال، فبدا بتصريحاته ولقاءاته الصحافية معارضاً للرئيس د. محمد مرسي في ما أصدره من إعلان دستوري، وفي ما أصدره من قرارات، واعترافه بأخطاء الرئيس، وتبرير ذلك بحسن نوايا الرئيس في العدوان على ولاية القضاء وعلى حق التقاضي الذي انطوى عليه هذا الإعلان، في إحدى القضائيات التي استضافته وتبريره عدم استقالته رداً على مداخلة لمواطن، بأنه لم يستقل "حتى لا يشمت فيَّ أمثالك"، وهي العبارة التي وجهها إلى المواطن صاحب المداخلة.

Ad

فقد جمع الوزير الجديد، بإتقان يحسد عليه، بين دفاعه عن استقلال القضاء واستهجانه للحملة الشرسة على القضاة، ورفضه لفكرة عزل ما يقرب من أربعة آلاف قاض، وبين ما يفرضه عليه المنصب الوزاري السياسي، من مسؤولية سياسية، فرضت عليه في هذا الحوار أن يعتب برقة على نادي القضاة، بسبب التصعيد الذي لجأ إليه، عندما وجه المستشار أحمد الزند رئيس النادي إنذاراً قضائياً إلى مجلس الشورى، ليتوقف عن نظر قانون السلطة القضائية، ودعوته لرئيس المنظمة الدولية المعنية باستقلال القضاة للحضور إلى مصر، كما أعلن الوزير الجديد أن استقالته من منصبه واردة إذا جرى عدوان على استقلال السلطة القضائية.

إلا أنني أستميحه عذراً في أن أختلف معه في مسألتين وردتا في حديثه إلى المذيع القدير خيري رمضان.

الأولى: إجابته عن سؤال المذيع عن أسباب عدم تنفيذ حكم محكمة الاستئناف بإلغاء قرار تعيين النائب العام الجديد.

فقد برر ذلك بصدور حكم سابق لإحدى محاكم الجنح المستأنفة، في استئناف مقام من النيابة العام طعنا على حكم أصدرته إحدى محاكم الجنح قضى بعدم قبول الدعوى الجنائية المقامة من النيابة العامة ضد أحد المتهمين، لعدم شرعية تعيين النائب العام.

فقد ألغت محكمة الجنح المستأنفة الحكم، وقبلت الدعوى الجنائية المقامة من النيابة العامة وقضت في موضوع الدعوى الجنائية، بما كونته في عقيدتها من رأي.

إذ اعتبر الوزير ذلك تنازعا بين حكمين، أحدهما قبول دعوى جنائية مرفوعة من النيابة العامة التي يترأسها النائب العام، والثاني الحكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف في تاريخ لاحق لصدور حكم محكمة الجنح المستأنفة، والذي قضى بإلغاء قرار تعيين النائب العام.

فقد فات السيد الوزير أن كلا الحكمين صحيح في ما قضى به كل منهما، في حدود ولاية كل منهما، ذلك أن الحكم الصادر من محكمة الجنح المستأنفة صحيح، لأنه من المستقر فقها وقضاءً، أن القرار الإداري يعتبر محمولاً على الصحة مهما شابه من عوار أو شبهات، إلى أن تقضي المحكمة المختصة بإلغائه، والمحكمة المختصة هي محكمة الاستئناف، الدائرة المختصة بشؤون القضاء التي أصدرت حكمها بإلغاء قرار تعيين النائب العام.

وهو ما لا تملكه محكمة الجنح التي تقتصر ولايتها على الفصل في الدعوى الجنائية المطروحة أمامها.

كما فات السيد الوزير أن الدعوى العمومية التي تتولاها النيابة العامة باسم المجتمع، لحماية أمن المجتمع واستقراره، وترسيخ مبدأ العدالة، لا يجوز أن يحول دون إقامتها، ما يشوب قرار تعيين النائب العام من عوار، فهو لا يزال مستشاراً في القضاء، له كل الاحترام والتقدير، وقد قضت المحكمة الدستورية بأن بطلان انتخاب مجلس الشعب لا يمس كل ما أصدره من قوانين وقرارات حرصا على استقرار الحكم.

وهي أمور ما كان يجوز لوزير العدل، وهو قامة من قامات القضاء أن يغفل عنها لتبرير عدم تنفيذ حكم محكمة الاستئناف القاضي  بعزل النائب العام.

وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 2 أبريل سنة 1988 بأن الدستور إذ كفل للسلطة القضائية استقلالها في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية، وجعل هذا الاستقلال عاصماً من التدخل في أعمالها أو التأثير في مجرياتها، باعتبار أن شؤون العدالة هي مما تستقل به السلطة القضائية، وأن عرقلتها أو إعاقتها على أي وجه، عدوان على ولايتها الدستورية، ومن ثم تظل لأحكامها ولو لم تكن نهائية حجيتها، وهي حجية لا يستطيع المشرع أن يسقطها (تفسير رقم 2 لسنة 5 قضائية تفسير).

كما قضت "بأن الدستور عزز مبدأ سيادة القانون، بنص المادة 72 التي صاغها بوصفها ضماناً جوهرياً لتنفيذ الأحكام القضائية من قبل الموظفين المختصين، واعتبر امتناعهم عن أعمال مقتضاها، أو تعطيل تنفيذها جريمة معاقب عليها قانوناً، وما ذلك إلا توكيد من الدستور لقوة الحقيقة الراجحة التي يقوم عليها الحكم القضائي، وهي بعد حقيقة قانونية لا تجوز المماراة فيها". (جلسة 15/4/1995 ق 27 لسنة 16 ق).

وإن ما يحدث الآن من امتناع عن تنفيذ أحكام القضاء، بالرغم من تجريم الدستور لهذا الفعل، يرجع إلى أن الدستور الذي وضعه النظام الحاكم قد أعطى بيده ما أخده باليد الأخرى عندما حصن الوزراء من المساءلة الجنائية في ما تنص عليه المادة ( 166) من الدستور من عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية، ضد رئيس مجلس الوزراء أو أي عضو من أعضاء الحكومة عن الجرائم التي تقع منهم أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها إلا بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.