أن تختصر تاريخ أمة في عمل سينمائي في فترة زمنية لا تتجاوز ساعتين فأنت بحاجة لمؤلف عبقري ومخرج أكثر عبقرية، ولكن ذلك لا يبدو مستحيلاً على السينما الأميركية. الفكرة التي استخدمها المؤلف داني سترونغ وهو مؤلف من مواليد 1974 جعلت الملحمة ممكنة ومقبولة فنيا. يولد البطل الأسود في مزرعة في جورجيا لأب وأم يعملان كعبدين مملوكين للرجل الأبيض. كان في سن العاشرة حين طلب المالك الأبيض أمه ليدخلها جرن المزرعة ويغتصبها أمام مرأى العاملين، ومنهم الأب والابن وحين يعترض الأب بدون سلاح يصوب المالك الأبيض سلاحه نحوه ويطلق عليه رصاصة يرديه ميتا. تفقد الأم صوتها وتعزيه المرأة البيضاء بأن تجعله خادما في بيتها فيهرب من البيت ليعمل خادما في متجر حاول سرقته ليأكل بعد هروبه من المزرعة ثم نادلا في فندق يتحول بعدها مرشحا للعمل في الخدمة في البيت الأبيض ليعاصر سبعة رؤساء لأميركا منذ أواخر أيام ايزنهاور حتى الرئيس الحالي باراك أوباما، الذي يلتقيه في نهاية الفيلم كمحصلة لصراع أمة سوداء كانت تعيش على هامش أقوى امبراطورية في القرن العشرين وربما القرن الحالي.

Ad

جيش المشاهير الذين تم اختيارهم للملحمة دون أن تمنحهم الكثير من الحركة لضغط الأحداث منذ عام 1920 حتى 2008 تاركا أغلب مساحته لأوبرا وينفري التي تبدع في أداء دور جلوريا جينس زوجة المستخدم، أوبرا وينفري التي سرقها العمل الاعلامي من السينما رغم أنها قدمت رائعتين أدبيتين من قبل "لون قرمزي" للكاتبة السوداء أليس والكر واخراج ستيفن سبيلبيرغ 1985 و"محبوبة" للكاتبة السوداء الكبيرة توني موريسون 1998 وقد يرشحها هذا العمل بقوة لإحدى جوائز الأوسكار. بالإضافة اليها أدى أغلب طاقم العمل أدوارا قصيرة ربما لا تليق بأسمائهم الفنية ولكن ملحمة كهذه كانت تستحق المشاركة. فينيسيا ريدغريف، روبن وليامز، جين فوندا، جون كوساك. قدم هؤلاء أدوارا في حدود دقائق معدودة.

يتطلب العمل في البيت في الأبيض أن يكون المستخدم أبكم لا يتكلم وأصم لا يسمع ما يدور حوله بين الرؤساء ومساعديه أو ما يجريه من مكالمات، ولا يتقاضى المستخدم الأسود ذات الأجر الذي يتقاضاه نظيره الأبيض ورغم ذلك يتحول في داخله الى رجل أبيض. في الوقت الذي يخدم فيه الرجل الأسود البيت الأبيض كان على الأسود خارج البيت الأبيض أن يعيش منعزلا في المقهى أو سيارات النقل وحتى في صنابير الماء المخصصه للونين المتباينين.

يرزق المستخدم بولدين، ينتمي الأكبر الى جماعة مناهضة للتمييز العرقي فيطرده والده من البيت ليعيش أغلب حياته عرضة للسجن أو مهاجمة جماعة "كلان" العنصرية ويكمل تعليمه ليحصل على ماجستير العلوم السياسية يترشح بعدها لانتخابات ولايته ويفشل، بينما يموت الثاني عسكريا في حرب فيتنام وتقام له جنازة تليق بعسكري أميركي أبيض. وكانت أجمل مفارقات الفيلم حين يقدم المستخدم وزملاؤه السود الطعام لضيوف البيت الأبيض بينما يهاجم البيض ابنه وزملاءه السود حين يصرون أن يقدم لهم الطعام في المكان المخصص للبيض.

صراع الحقوق المدنية لم يكن طريقا سهلا أمام تاريخ طويل من الفصل العنصري والذي امتد منذ بداية العبودية حتى أيام كيندي الأخيرة الذي اقترح قانون الحقوق المدنية عام 1964 ليلقى مصرعه قبل اقراره ليقره في ما بعد الرئيس جونسون. المستخدم فيلم يستحق المشاهدة لقراءة تاريخ ما يقارب مئة عام في ساعتين من العمل الجدي لنص مكتوب بعناية فائقة واخراج لي دانيلز الذي أضاف اسمه لعنوان الفيلم.