لماذا لم يصبر المصريون على حكم «الإخوان»؟!
تساؤلات عديدة طرحت على خلفية الأحداث الجارية في مصر وما زالت تتكرر على ألسنة كتّاب ومحللين: ألم يكن بوسع المصريين أن يصبروا على حكم الرئيس مرسي لحين إكمال مدته؟ ألم يكن من الأفضل الانتظار حتى موعد الانتخابات القادمة لاختيار رئيس جديد يحقق مطالب الشعب ويصلح ما أفسده السابق؟ ألم يكن ممكناً تغيير حكم الإخوان عبر الصندوق الانتخابي بديلاً عن الثورة والانقلاب؟ كل هذه التساؤلات يطرحها هؤلاء الذين يؤكدون أنه كان بالإمكان تجنب هذه التكلفة الباهظة المترتبة على إسقاط حكم الإخوان بالقوة. دعونا نصغ هذه التساؤلات في الآتي:
1- هل تعجل المصريون إسقاط حكم الإخوان؟2- هل كان ممكناً تجنب التكلفة الباهظة المترتبة على تقويض حكم الإخوان؟3- ما تفسير ثورة المصريين على "الإخوان"؟بداية لا أتفق مع الذين يرون فيما حدث تعجلاً، وأرى أنه أتيحت للإخوان خيارات عديدة لإثبات جدارتهم في الحكم وتلبية مطالب الشعب في إجراء استفتاء مبكر لو استثمرها الإخوان لجنبوا أنفسهم ما هم عليه اليوم؛ ولذلك فإن وصف ما حصل بالتسرع فيه نوع من الاختزال للأحداث التي سبقت الثورة وبعدها. وفيما يتعلق بالتساؤل الثاني حول إمكان تجنب دفع التكلفة الباهظة لسقوط حكم الإخوان أرى أنه لم يكن هناك أي خيار بديل أمام الشعب المصري والقوات المسلحة إزاء اصرار الإخوان على عدم الإصغاء للمطالب الشعبية حتى آخر لحظة ظل فيها الرئيس مرسي يردد "أنا الشرعية" أكثر من 70 مرة، وظل يهدد ويتوعد بأن "دمه" هو الثمن لإسقاط الشرعية، فماذا يفعل الشعب غير أن يقوم بثورته ويستعين بالجيش؟! القول بوجود بديل آخر غير الثورة والانقلاب كان متاحاً أمام المصريين يشكل نوعاً من الأماني لدى أصحابها بأكثر من إدراك حقائق الواقع المجتمعي، وإن التاريخ لن يعود إلى الوراء ليستأنف أحداثه بكلمة "لو" الواهمة. دعونا نركز على إجابة السؤال الثالث، والتي أراها أكثر أهمية وجدوى من الانشغال بالفرضيات الاحتمالية: ما تفسير ثورة المصريين العارمة على الحكم الإخواني وتقويضه ولما يكمل السنة الواحدة؟! هناك في الحقيقة تفسيرات كثيرة لعل من أبرزها: 1- التفسيير الأول "الخوف على هوية مصر": تعاظم لدى المصريين خلال الشهور الأخيرة من حكم الإخوان الشعور بخطورة حكم الإخوان على هوية مصر، وهذا ما يفسر خروج كل طوائف المجتمع المصري وأطيافه وطبقاته بهذه الكثافة غير المسبوقة تاريخياً، وذلك من أجل هدف وطني جامع هو "استنقاذ مصر" روحها وثقافتها وطبيعتها المدنية، خرج المصريون بكل مكوناتهم للتعبير عن رفضهم الشديد لمفهوم الإخوان للوطنية العابرة لحدود الوطن إلى "الوطن الإسلامي الكبير"، فلم يكن بوسع المصريين احتمال سياسة الإخوان الرامية إلى إضعاف مفهوم "المواطنة" المصرية لمصلحة مواطنة إسلامية أممية.2- التفسير الثاني "الخشية على الأمن القومي المصري": تعاظم إحساس المصريين وشعورهم من خطورة سياسة الإخوان على أمن مصر وجيشها الوطني، وكانت إرهاصاته تتزايد كل يوم عبر أشكال عديدة منها: التحالف مع "حماس" التي ارتبطت بالتنظيم مبكراً، واقتحمت السجون المصرية في 28 يناير 2011، وقامت بتهريب قيادات الإخوان، وفي فتح مكاتب لـ"حماس" في القاهرة والسماح لعدد من قادتها بالإقامة، وفي فتح معبر رفح طوال الوقت وبلا ضوابط، وفي تزايد الأنفاق التي يتم من خلالها تهريب الأسلحة والمطلوبين للأمن والعناصر المسلحة، وهي أنفاق كانت مصدر شر عند المصريين، كما لا ننسى أن الرئيس قام بالإفراج عن قيادات جهادية متورطة في جرائم إرهابية مما أكد للمصريين وجود شبه تحالف بين الإخوان والتنظيمات الإرهابية، زاده ما حصل بعد مقتل الجنود في رمضان الماضي حين منع مرسي الجيش من تعقب القتلة، وعارض إطلاق عملية تمشيط شاملة لمكافحة الإرهابيين في سيناء– كما هو حاصل اليوم- كما رفض تدمير الأنفاق، وفتح الباب أمام دخول أعداد كبيرة من جماعات العنف إلى مصر، فأصبحوا يتحركون فيها بحرية تامة كما لو أنهم في جبال أفغانستان، وهكذا تأكد للمصريين أن استمرار حكم الإخوان يشكل خطورة على كيان الدولة وعلى القوات المسلحة، فكان لا بد من الثورة ودعم الجيش لها.3- التفسير الثالث "الفشل السياسي والاقتصادي": فشل الإخوان سياسياً لأنهم دخلوا في مصادمات مبكرة مع كل مؤسسات الدولة الراسخة ما عدا الجيش الذي حاولوا استمالته عبر الامتيازات الدستورية، لكنهم خاصموا الأزهر والكنيسة والشرطة والقضاء والإعلام والثقافة، وأقصوا كل القوى الوطنية ما عدا "النور السلفي"، الذي انقلب عليهم في النهاية، وهكذا استعدوا الجميع ولم يبق لهم صديق أو حليف، وأما فشلهم اقتصادياً فلم تشهد مصر تردياً في الأوضاع الاقتصادية كما حصل في عهد الإخوان، إذ وصلت إلى الحضيص وإلى أن تتسول مصر المساعدات والمؤونات والقروض!4- التفسير الرابع "الخوف من الانقلاب الإخواني": تواترت مؤخراً أنباء عن أن جماعة الإخوان كانت تعد لحملة اعتقالات واسعة على نسق الحملة التي قام بها الرئيس السادات في 5 سبتمبر 1981م، وتشمل القبض على كل قيادات المؤسسة العسكرية واعتقال كل رموز التيارات السياسية المعارضة والصحافيين والإعلاميين، وأن قوائم قد أعدت بالفعل ليتم تنفيذها بمجرد فشل مظاهرات 30 يونيو، طبقاً لما ذكره الكاتب الصحافي صلاح عيسى.5- التفسير الخامس "الخوف من الأخونة": سعى الإخوان سعياً حثيثاً ومكشوفاً إلى تطبيق خطة "أخونة" الدولة و"التمكين" من مفاصلها عبر زرع القيادات الإخوانية في كل الوزارات والإدارات الحساسة والاستراتيجية، واهتموا بشكل خاص بالهيمنة الكاملة على المؤسسات والأجهزة المتحكمة في العمليات الانتخابية القادمة، مثل: وزارات التنمية، والقوى العاملة، والتموين، والزراعة، والتأمينات الاجتماعية، والداخلية، وأخيراً: المحافظات، حيث عينوا (17) محافظاً ينتمون إليهم، ومعروف في مصر مذ الخمسينيات أن من يهمين على هذه الوزارات والمحافظات والمؤسسات يتحكم في نتائج الانتخابات، وطبقاً لوحيد عبدالمجيد: لم يكن هدف الإخوان من سياسة "الأخونة" إحكام سيطرتهم الكاملة خلال عهد مرسي فحسب، إنما لهدف استراتيجي أبعد، وهو إحكام هيمنتهم على الانتخابات القادمة، ضماناً لاستمرارهم في السلطة إلى أجل غير مسمى وربما إلى الأبد، وتأكيداً لضمان السيطرة الكاملة على العملية الانتخابية، عزل مرسي النائب العام السابق، وعين نائباً عاماً تابعاً له دون موافقة المجلس الأعلى للقضاء بموجب "الإعلان الدستوري" الذي أصدره في نوفمبر 2012 وحصن به قراراته. ويضيف وحيد: لقد كان متوقعاً أن تجري الانتخابات الرئاسية بطريقة مشابهة ومن خلال هيمنة كاملة للإخوان على إجراءاتها بما يضمن لهم استمرارهم في السلطة إلى أن يشاء الله تعالى، فلو انتظر المصريون أكثر مما انتظروا لما أمكن إزاحة الإخوان لا بالصندوق الانتخابي ولا بالانقلاب العسكري، بعد استكمال خطتهم الشاملة.ختاماً: يبقى أن نقول للذين ما زالوا يعيشون في الأماني والأوهام: إذا كانت مصر دفعت هذا الثمن الغالي اليوم من أجل إزاحة الإخوان عن السلطة، فكم كانت ستدفع من أجل إزاحتهم غداً بعد استكمالهم خطة الاستحواذ والتمكين؟!* كاتب قطري