يعاني مجتمعنا منذ فترة ليست بالقصيرة حالة انقسام حادة وخطيرة على المستويين السياسي والاجتماعي لا ينكرها سوى مكابر أو منفصل عن الواقع.
وحيث إنه من المحال تحقيق التنمية الشاملة والحقيقية في ظل حالة الانقسام المجتمعي الحاد لأن التنمية المستدامة تحتاج أول ما تحتاج إليه استقراراً سياسياً واجتماعياً لا يمكن تحقيقه إلا من خلال توافق وطني عام يكون عادة هو الأساس الذي تصاغ بناء عليه الدساتير المحترمة.لهذا، فإن الخطوة الأولى المستحقة الآن لمعالجة حالة الانقسام الخطيرة التي تهدد استقرار مجتمعنا هي المبادرة بالدعوة إلى مصالحة وطنية عامة توفر الأرضية المناسبة لتوافق وطني عام حول القضايا السياسية محل الخلاف، وبالأخص قضايا الإصلاح السياسي والديمقراطي، حيث إن النموذج الحالي لإدارة شؤون الدولة والمجتمع لم يعد صالحاً لحل المشاكل العامة.أضف إلى ذلك أن حكم المحكمة الدستورية المرتقب الذي يعول عليه بعض السياسيين لن يحل مشكلة الانقسام الاجتماعي والسياسي بل سيزيد من حدتها سواء حكمت المحكمة الدستورية بدستورية مرسوم الضرورة المتعلق بقانون الانتخابات أو حكمت بعدم دستوريته.وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال الأكثر أهمية وهو كيف تتم عملية المصالحة الوطنية التي من الممكن أن تمهد الطريق لتحقيق توافق وطني حول مستقبل الوطن؟ وما متطلبات نجاحها؟تتطلب عملية المصالحة الوطنية مبادرة سياسية جريئة تطرحها السلطة تأخذ في الاعتبار أنه من المستحيل، كما تبين التطورات السياسية والميدانية، فرض مجلس "الصوت الواحد" كأمر واقع على أن تتضمن المبادرة إصدار عفو عام عن المحكومين بكل القضايا السياسية، ووقف الملاحقات السياسية بكل أشكالها، ثم الاعتراف بأخطاء الماضي كافة، والدعوة إلى حوار وطني شامل ومتكافئ ملتزم بنصوص الدستور وروحه، بحيث ينتج عنه طرح مشروع سياسي مستقبلي يشارك فيه الجميع من دون استثناء، ويتضمن خطوات عملية وواقعية لتنفيذ الإصلاح السياسي والديمقراطي الجذري والشامل ضمن إطار زمني محدد.وفي السياق ذاته، مطلوب أيضاً من قوى "المعارضة" ألا تنتظر ما ستقدمه السلطة، لأن انتظارها قد يطول بل عليها أن توحد صفوفها مع عدم استثناء أي طرف من أطرافها، ثم تتقدم كقوى سياسية موحدة بمبادرة سياسية تطرح فيها رؤيتها الموحّدة ومشروعها السياسي المتكامل المتوافق عليه ضمن إطار الدستور الذي من المفترض أن يكون أساساً جيداً لتحقيق عملية التوافق الوطني من أجل توفير الأرضية المناسبة للخروج من الأزمة السياسية الخانقة، خصوصاً أن موازين القوى الخارجية والداخلية تميل بشكل عام لمصلحة عملية الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي.
مقالات
لا تنمية من غير توافق وطني!
23-01-2013