من غير الممكن تصوُّر أنَّ بشار الأسد، بعد مؤتمر "جنيف2"، الذي من المفترض أن ينعقد في منتصف نوفمبر المقبل، وبعد انتهاء ولايته في يوليو من العام المقبل، سيبقى رئيساً لسورية، فهذا مخالف لكل تجارب التاريخ في البلدان الحية التي يخسر أكبر وأهم رؤسائها موقعه، إنْ رغم أنفه وإن بصورة إرادية، إذا اصطدمت طائرة عسكرية بطائرة مدنية ووقع عشرات القتلى، فكيف إذا كانت أعداد القتلى في "القطر العربي السوري" قد وصلت إلى كل هذه الأرقام الفلكية؟!

Ad

ربما ينعقد مؤتمر "جنيف2" في هذا التاريخ الآنف الذكر، وربما يصبح انعقاده أمنية "غالية" لا يمكن تحقيقها بسبب كل هذه التعقيدات والإشكالات والعقبات التي تقف في طريقه، لكن المؤكد أنه إذا انعقد بدون إيضاح مصير الكثير من الأمور العالقة فإنَّ انعقاده لن يكون مجرد قفزة في الهواء، بل أيضاً انطلاقة لجولات عنف جديدة ستكون أكثر دموية وبشاعة من كل جولات العنف التي تواصلت منذ مارس 2011 حتى الآن... وحتى منتصف نوفمبر المقبل!

لا شك أن امتلاك هذا النظام لألف طنّ من الأسلحة الكيماوية المدمرة مشكلة من المفترض أنه لا خلاف عليها، لكن المشكلة الأكبر والأخطر هي استخدام هذه الأسلحة المُحرَّمة دولياً، منذ الاتفاق على بروتوكول عام 1925، ضد أبناء سورية، وثلثهم من الأطفال الأبرياء، بأوامر شخصية من الرئيس بشار الأسد نفسه، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة السورية وهو رئيس الجمهورية المطلق الصلاحيات في كل شيء، وهذا يعني أنه لا يمكن تصور، حتى مجرد تصورٍ، أنه قد يبقى في موقعه سواء أنجحت "جنيف" الثانية أم لم تنجح، فهذه جريمة لا تُغتفر ويجب أن ينتهي مرتكبها إلى قفص الاتهام في محكمة الجنايات الدولية لا أنْ يكافأ بالتجديد له لولاية ثانية.

إنَّ المئة والعشرين ألف قتيل، لم تَقتل أي واحدٍ منهم "النصرة" ولا "دولة العراق وبلاد الشام الإسلامية" ولا التنظيمات المتطرفة الأخرى، مع أن هذه التنظيمات كلها إرهابية وكلها من صنع هذا النظام وصنع المخابرات الإيرانية... إن من قتلهم وجرح أيضاً أضعاف أضعافهم هو هذا النظام الذي يحتفظ في سجونه المعروفة وغير المعروفة بنحو مئتين وعشرين ألف سجين، كل هذا وتشير تقارير الهيئات الدولية المعنية إلى عشرات الألوف من المفقودين وغير المعروف ما إذا كانوا نزلاء مقابر جماعية تحت التراب أم أنهم في بطون الزنازين السرية.

إنه لا يمكن تصوُّر أنْ يبقى بشار الأسد بعد "جنيف2" يزاول صلاحياته الحالية المطلقة في الفترة المتبقية من ولايته التي تنتهي في يوليو المقبل، كما أنه لا يمكن تصور أن تعطيه المعادلة الدولية الجديدة الحق في أن يرشح نفسه لولاية جديدة، فهذا معناه التآمر على الشعب السوري في وضح النهار، وهذا معناه إهانة ما بعدها إهانة لمئات الألوف من الشهداء والجرحى والمفقودين وللملايين من المشردين واللاجئين الذين أُجبروا تحت راية "الوحدة والحرية والاشتراكية" على النزوح عن وطنهم ليعيشوا في مخيمات الذلِّ والهوان في الدول المجاورة.

ولهذا، فإمَّا أن تحقق "جنيف2" تطلعات الشعب السوري ورغباته في أنْ يبدأ حياة جديدة عنوانها الديمقراطية الفعلية والحقيقية وصناديق الاقتراع، وفي أن يتخلص من هذه "الكوابيس" المرعبة التي بقيت متواصلة على مدى أربعين عاماً وأكثر... وإلاَّ فإن الأفضل أن يستمر هذا الصراع، وأن تستمر هذه الثورة حتى إزاحة هذا النظام واقتلاعه من جذوره، وحتى تحقيق حلم هذا الشعب العظيم الذي تؤهله تضحياته العظيمة لأن يستحق وطناً لا مكان فيه للزنازين والقمع وحكم المخابرات والأجهزة الأمنية.