دأب المجتمع الدولي منذ بداية الثورة السورية على تجنّب التدخل العسكري رغم الدعوات الداخلية وبعض العربية، ورغم قسوة النظام السوري على شعبه واستخدامه المفرط للقوة، خصوصاً أنه انتهى للتو من تدخله في ليبيا وكان حاسماً في إزالة نظام (القذافي)، ولكنه تلكأ في نصرة ثورة الحرية في سورية، وذلك لعدم توفر التأمين الشامل، حيث إن سورية لا تملك من الثروات ما يجعل الدول الكبرى تتهافت على نصرة شعبها كما في بعض الدول، إضافة إلى اعتبارات إقليمية، و"إسرائيلية" حصراً!

Ad

وعوّض المجتمع الدولي عن ذلك بالدعم السياسي والإعلامي مع الحصار الاقتصادي للنظام مع لقطات "أكشن" أممية تلقي باللائمة على الموقفين الروسي والصيني في عرقلة الجهود الدولية لإزاحة نظام الأسد، وأن الشرعية الأممية ضرورة لتغطية أي عملية عسكرية بهذا الحجم، مما دفع الأسد إلى مزيد من القتل والإجرام لقناعته أن القرار الدولي تجاهه يحمل الإدانة ولا يحمل الإرادة، وأن النفس الطويل قد يحدث بعض المتغيرات السياسية على الساحة الدولية ويأتي بمعطى جديد يقلب المعادلات ويحسّن شروط التفاوض.

الخط الأحمر الدولي المرسوم للنظام كان "السلاح الكيماوي"، أي ان "الإباحة" هي الأصل، مما دفع النظام الأسدي إلى عدم توفير فرصة الاستخدام المفرط للقوة وبكل صنوف الأسلحة تجاه شعبه حسب شريعة الغاب الدولية، لكن دون جدوى، لأن الشعب السوري حسم أمره تجاه الحرية والكرامة حيث اعتبرهما "مصدرين رئيسيين ووحيدين للتشريع ودونهما الحياة".

لكن المحاولات الدولية غير المجدية استمرت- حتى لا تتهم بالتقاعس- من خلال المبعوث الأممي "الإبراهيمي" الذي لا يحمل في جعبته أي مشروع سوى تفاهمات أميركية- روسية لم يفصح عنها، ولكن الإرادة الدولية بما فيها روسيا عازمة على حل توافقي يجمع النظام والمعارضة دون توضيح ما إذا كان بشار الأسد سيبقى أم لا. وهذا ما زاد النظام تصلباً تجاه أي حل حتى أنه رفض مقابلة "الإبراهيمي" بداية -حسب المصادر الإعلامية- ولكن الواسطة الروسية سهلت المهمة رغم صعوبتها، لأن أي حل لا يشمل رحيل النظام لا يمكن أن يتم وتكتب له الحياة، خصوصاً أن النظام تجاوز الخط الأحمر وقصف مدينة حمص بـ"السلاح الكيماوي" ولكن بشكل محدود وأوقع إصابات بالغة، وقد أكد أحد الجنود المنشقين حديثاً أن الجيش الأسدي استخدم "غاز السارين" في هذا القصف.

وطبعاً الاستخدام المحدود بهذا السلاح الفتاك يأتي لقياس ردود الأفعال الدولية ومدى جديتها بتنفيذ وعودها بالردع، وهذه ستحدد مقدرته على الاستخدام لاحقاً، لأن هذا السلاح بات الوحيد الفاعل للنظام للدفاع عن بقائه.

وإذا كان الفيتو الروسي والصيني قد ساهما في منع التدخل العسكري الخارجي في سورية ومنع الحلف الأطلسي من تأدية دوره في المسألة السورية حسب ادعاءاته لعدم توافر الشرعية الدولية... مما دعا الوزير لافروف إلى القول "على أميركا أن تصلي لروسيا على مواقفها)، أي بمعنى أنه ستر التخاذل الغربي، فإن "دموية الأسد" ستعريه وستسقط ورقة التوت عنه وستكشف زيف شعاراته من خلال استخدامه للسلاح الكيماوي بعيداً عن أي ردود أفعال دولية خلافاً للسيمفونيات الغربية بضرورة الحزم تجاه هذا الفعل.

أكاد أجزم أن الأسد سيعاود الاستخدام الكيماوي وبحدود لا تثير حفيظة الغرب ولا تمكنه من اتخاذ قرار حاسم، وهذا سيحقق له التوازن مع الثوار لعدم مقدرتهم على التعامل مع هذا السلاح الفتاك.

الصقيع الدولي تجاه الثورة السورية رغم أنها ثورة الحرية لا يبشر بحل يتوافر فيه الحد الأدنى من الأخلاق والاستخدام الكيماوي سيكون له آثار كارثية على السوريين والمنطقة عموماً... فهل سيحتمل العالم مثل هذا العبء؟... أظنه سيحتمل ومهمة الإبراهيمي تؤكد ذلك.