هكذا نحن وسوف نبقى، نغضب بسرعة ونحكم بسرعة، نحطم كل ما هو أمامنا بسرعة ثم سرعان ما ننسى ونقترف نفس الخطايا التي ثرنا من أجلها دون أن نخجل أو نعتذر من كل الذين أصابتهم سهام ألسنتنا بسبب تهورنا وضيق صدورنا.

Ad

في أحداث مصر رفع "إخوان" الكويت مستويات نشاطهم إلى الحد الأقصى، ودخل معهم وضدهم كل من وجد في الشأن المصري "نافذة" جديدة يواصل من خلالها مشاحناته "الشخصية" على الساحة المحلية، وعليه فقد تم "تكويت" مصر في انتخابات البرلمان الأخيرة وكل مخلفات التطاحن الذي وقع في السنوات الأخيرة.

في مثل هذا النمط من التفكير، لا مكان لرأي يتضمن ولو همسات من الرأي الآخر، "الإخوان" إما أنهم شياطين بالمطلق وإما "العسكر" ملائكة بالضرورة، والعكس صحيح، ممنوع أن أقول ما أراه صحيحاً في مساحتي، ولكن غيري، خصوصاً "إخوان" الكويت، من حقه أن يقول ويزيد ويصنف ويحدد ويأمر، هي تماماً نفس العقلية التي أوصلت المكونات الرئيسة لمعارضة الصوت الواحد لما وصلت إليه من تفكك وانحسار في الشعبية لأن الاختلاف والتنوع مرفوض لديهم.

ولكن منذ متى ونحن نخشى التفكير الإقصائي أو "الإخوان" أنفسهم؟ لقد عرفنا معنى "التكفير" منهم لا من غيرهم قبل عقدين من الزمن، والبحث عن مصداقية أو إنصاف من طرفهم دليل على قلة في خبرة التعامل معهم، فهم من اخترعوا "الانتقائية"، وهم من علموا الأفاعي تبديل جلودها.

"الإخوان" اليوم وبالأمس وغداً، سيلعنون "الليبراليين" دوماً وأبداً، وسيضعونهم على اختلافهم وتفرقهم في خانة واحدة، وسيحاكمون ليبراليي الكويت وكل صاحب صوت تقدمي متنور بمن فيهم د. شفيق الغبرا وحسن العيسى على مواقف الليبراليين في مصر لأن الطبع "غلاب".

وحتى لا يغيب العقل الذي هو أهم من "الإخوان" وحربهم لاستعادة "الكرسي" الذي زعموا أول الأمر أنهم زاهدون فيه، فإن "الإخوان" في مصر لا يمكن اقتلاعهم بالحديد والنار، ولو كان ذلك العلاج "السهل" فعالاً لانتهوا أيام الملكية، ولو كان القتل ينفع لنفع في منع "استيلاد القطبيين" إلى اليوم بعد إعدام "سيد قطب" قبل ما يقارب الخمسة عقود، ولو كانت السجون تكسر لكسرت سجون مبارك شوكة "الإخوان" إلى الأبد، "الإخوان" يموتون فقط بالعقل، والعقل العربي لا يزال ما بين غائب أو مغيب.

لقد كان بالإمكان تجفيف مواقع التوتر، فلا جديد يدخل إليها والخارج منها "في أمان الله"، ولكن انجرفت الأمور إلى طريق الدم والمجازر التي لا يمكن مباركتها أو الصمت عنها، وبدلاً من استثمار حالة السخط الشعبي ضد "الإخوان" فتحت مسارح النحيب لهم كي يلعبوا دورهم التاريخي كشهداء ومظلومين.

لقد برع "الإخوان" في "لعق" جراحهم، وأتقنوا فن العودة من جديد طوال حياتهم، وأي فاشية- ليس بالضرورة في مصر- تبحث عن السند الجماهيري على حساب الديمقراطية لن تجد أفضل منهم للقيام بهذا الدور، وستمر الأيام وتذوي الهتافات وتتبدل الوجوه وسترون كيف سيعود "الإخوان" إلى مواقع التأثير والنفوذ.

الفقرة الأخيرة: لبعض الفاشيست... لا تفرحوا كثيراً بضرب "الإخوان" فما سيخرج من مصر سيدخل لديكم.