«توهّق البطل»!
الرئيس الأميركي يدرك تماماً أن حلفاءه في «الناتو» تركوه وحيداً ولم يعد يؤيده سوى أستراليا وفرنسا الخجولة، بينما الأتراك وبعض العرب وإسرائيل فقد يخيب ظنهم ولربما يعادون أميركا إذا كانت الضربة محدودة ولم تسقط النظام في سورية، ويدرك أيضاً أن شرارة الحرب مهما كانت صغيرة فإنها قد تحدد بداية القتال أما نهايته فلن تكون بيده.
عندما تقارن ذلك السيناتور الساحر باراك أوباما وخطبه الارتجالية الرائعة والمليئة بالثقة والحجة والمنطق، وعندما تقارن ذلك المرشح الديمقراطي الذي أذل الرئيس جورج بوش وإدارته وابتلع خصومه الديمقراطيين بتلك الكلمات الملهبة للعقول، وهو يسطر خططه وبرنامجه السياسي، مع موقف أوباما الرئيس وكلمته الهزيلة وشخصيته الضعيفة وهو يهدد النظام السوري، فإنك تتيقن أن أميركا لا تدار بالرئيس ولا المؤسسات الدستورية إنما بعصابات النخبة وفي طليعتها اللوبي الصهيوني.الرئيس أوباما الذي أعلن في خطاب النصر الانتخابي كلمته الشهيرة "لا للحروب" أصبح في موقف حرج قد يتسبب في ضياع ما تبقى من الهيبة الأميركية، فقد جره بعض الجمهوريين وفي مقدمتهم منافسه السابق جون ماكين وجماعات الضغط اليهودية إلى التورط في المستنقع السوري، ولذلك رمى الكرة في ملعب الكونغرس رغم صلاحياته الرئاسية باتخاذ أي قرار عسكري، وأتوقع أن أوباما قد يصلي من أجل أن يرفض مجلس النواب توجيه ضربة لسورية أسوة بمجلس العموم البريطاني للهروب من الباب الخلفي.
فالرئيس الأميركي يدرك تماماً أن حلفاءه في "الناتو" تركوه وحيداً ولم يعد يؤيده سوى أستراليا وفرنسا الخجولة، بينما الأتراك وبعض العرب وإسرائيل فقد يخيب ظنهم ولربما يعادون أميركا إذا كانت الضربة محدودة ولم تسقط النظام في سورية، ويدرك أيضاً أن شرارة الحرب مهما كانت صغيرة فإنها قد تحدد بداية القتال، أما نهايته فلن تكون بيد أوباما الذي سيجد نفسه في تدحرج غير معلوم النتائج، ولذلك حرص الرئيس ووزير خارجيته على أن الضربة ضد سورية لن تكن مثل كوسوفو أو أفغانستان أو ليبيا أو العراق.الولايات المتحدة قتلت فرصة "جنيف – 2" لإيجاد حل سياسي لأزمة سورية وربما لم ترغب في ذلك بسبب تفوق روسيا من جهة وعدم اقتناعها بالمعارضة السورية من جهة أخرى، رغم عملية التجميل التي خضعت لها المعارضة وخروجها من تحت الجناح القطري، ولأن الولايات المتحدة لم تكن لتدير العملية السياسية في جنيف أيضاً إنما تديرها تركيا وبعض دول الخليج إضافة إلى فرنسا.فكلتا المعادلتين السياسية والعسكرية ليست بإدارة أميركية ولا تمتلك أوراق استمرار اللعب فيهما، وهذا بحد ذاته مؤشر واضح على انحسار الدور الأميركي عالمياً، وسنن التاريخ تقول إن القوى العظمى إذا ما خسرت مواقعها ونفوذها وهيمنتها، فقد تسعى إلى المجازفة، وهذه النظرية نسميها نحن في الكويت بمقولة "توهّق البطل"!