هل تختلف تربية الصبيان عن البنات؟

بعد أن نفدت الطبعة الأولى من كتاب «دليل تربية الصبيان» الشهير رأت المعالجة النفسية والمتخصصة في الشؤون العائلية شيريل ايروين أن أمورًا كثيرة قد تغيّرت على هذا الصعيد، فانكبت على مراجعته إضافةً وتعديلاً، وإذا به يصبح كتابًا جديدًا مختلفًا يمسك بيدك في رحلة مشتركة لمعرفة كيفية تربية الصبيان (منشورات دار الفراشة).

تدرب المؤلفة شيريل ايروين وتعيد تأهيل الكثير من الأولاد والمراهقين كما تساعد الأهل على تقويم أدائهم منذ أكثر من 15 سنة. ومن خلال هذه الممارسة المضنية، استطاعت أن تضع كتبًا عدة أصبحت مراجع علمية وتوثيقية وتربوية تستند إلى أبحاثها مختلف المؤسسات، ويستفيد من توجيهاتها معظم العائلات.

إنه صبيّ

الجنس هو أول توقعات الأهل من أطفالهم، فبعض الأهل يتمنى أن يرزقه الله بصبي يحمل اسم العائلة أولاً، بينما يأمل القليل منهم أن يُرزق بفتاة. ولا يزال حتى أيامنا هذه يلعلع صوت القابلة صارخًا: إنّه صبيّ!

إنها بشرى سارة للأهل إن أتت على لسان القابلة أم عن نتيجة تخطيط طبّي أصبح يتيح لنا تحديد جنس المولود قبل أشهر من ولادته. وتبدو تحديات تربية هذا الصبي واضحة نسبيًا في البداية إذ نريد منه أن يأكل وأن ينام وأن يمنحنا من حين إلى آخر لحظة سلام نستردّ من خلالها أنفاسنا، وهو لا يلبث أن يبتسم فتسحرنا ابتسامته ويصبح موضوع جلّ أحاديثنا. لكن هذا الطفل سيتحوّل عاجلاً أم آجلاً إلى صبي صغير ثم إلى فتى يافع، وستنمو شخصيته الخاصة ويجد طرقًا جديدة ولافتة لاكتشاف عالمه، وسيحدث فوضى ويقع في مشاكل وورطات، وسيثبت أحيانًا أنه ليس الولد الذي توقعناه بالتحديد. فلمعظم الأهل، وفي غالبية حضارات العالم، توقعات ومثل عليا تتماشى مع عالم الذكور، لكن أكثر ما يعتبره الناس من المسلمات في شأن الذكور ليس صحيحًا ودقيقًا تمامًا.

حول الجنسين

يتشابه الفتيان والفتيات في أمور عدة. في الواقع، يعتقد معظم الباحثين أن أوجه التشابه تفوق بكثير أوجه الاختلاف. فكلا الجنسين يحتاج إلى الحب والانتماء والتشجيع، وإلى الشخصية والمهارات الحياتية والصبر. يحتاج الفتيان والفتيات إلى تربية لطيفة إنما حازمة وإلى علاقة وطيدة ومتينة مع الأهل والراشدين الذين يهتمون بهم. أدمغة الذكور والإناث متشابهة أكثر مما هي مختلفة خلال معظم مراحل الحياة، إلا أنّ ثمة فروقات مرتبطة بالجنس يبدو أنها جزء من أطفالنا منذ الولادة.

يتعرض الجنين في الرحم للهورمونات الجنسية، ما يجعل أدمغة الذكور والإناث تنمو بأشكال مختلفة قليلاً. وفي دراستها المذهلة عن الجنس، تحدّثت الاختصاصية سوزان جيلبرت عن بعض الفروقات المفاجئة بين أجنة من الفتيان والفتيات:

• غالبًا ما تكون مدة المخاض عند ولادة الصبي أطول مما هي عليه عند ولادة الفتاة.

• يبدو أن الطفل الذكر يتعرّض للضغط النفسي بسهولة أكبر من الطفلة الأنثى.

• غالبًا ما تتمكن الفتاة من التواصل بالنظر في وقت أبكر من الصبي، وتصبح اجتماعية قبل الصبي في طفولتها.

• غالبًا ما يثير الطفل الصبي الهرج والمرج فهو يبكي بسهولة أكبر ويجد صعوبة في أن يهدأ أكثر من الفتيات.

• يبدو الصبية أكثر هشاشة عاطفيًا من الفتيات ويجدون صعوبة أكبر في التكيُّف مع التغييرات في الروتين فضلاً عن التعاطي مع غضب الأهل واكتئابهم.

• تطور الفتيات عادة القدرات الحركية واللغوية قبل الصبيان.

• الصبيان انفعاليون أكثر من الفتيات ويتعلمون المهارات المتعلقة بضبط النفس ببطء أكبر.

• الصبيان ناشطون أكثر جسديًا ويختارون ألعابًا تنافسية أكثر مما تفعل الفتيات.

لا شك في أن هذه الفروقات هي فروقات عامة في حين أن ابنك شخص فريد لا يشبه أيّ ولد آخر. ومع مرور السنوات ستكتشفين الشاب المميز والرائع الذي هو ابنك.

اساطير ومعتقدات

تخيّلوا أبطال الأفلام التي شاهدتموها في صغركم والذين يواجهون هجوم الأعداء وحدهم، وينقذون الشابة الجميلة وينقذون العالم في الوقت نفسه؟ (حتى وقت قريب كانت بطولة أفلام الحركة تقتصر على الرجال!) ألا يُفترض بكل صبي أن يرغب في أن يكون جون واين أو بروس ويليس؟ هل يكون الصبي تابعًا لأمه أو «حبيب أمه» إن ربطته علاقة متينة وقوية بها؟ هل يجب أن يتمتع الآباء بالكلمة الفصل في تربية أبنائهم؟ ألا ينبغي أن يكون الصبي السليم كـ هكلبيري فين في جزء منه على الأقل؟

قد تعتقدون أنكم غير متأثرين بالآراء الثقافية المسبقة عن الجنس، إلا أن الافتراضات عن الصبيان والفتيات وما يجعلهم ما هم عليه راسخة في الأدب ووسائل الترفيه والثقافة.

أسس تربية ابنك

أنت الخبيرة بتربية ابنك وكل ما يتعلق به قبل الرجوع إلى الكتب والأطباء والاختصاصيين، لأن الله عز وجلّ قد أنعم عليك طبيعيًا بقدرة اكتشاف ما يعانيه وما يهمه وما هو بحاجة إليه، فثقي في حكمتك وفي معرفتك به.

لدى معظم الأهل الكثير والكثير من الأسئلة. لعلك تتساءلين كيف تساعدين ابنك على أن ينام طيلة الليل وكيف يستخدم المرحاض أو يرتدي ملابسه بنفسه. ربما لديك أسئلة عن الأعمال الروتينية أو ما هو مباح أو الفروض المدرسية. أو لعلك تتساءلين ما إذا كانت الرياضات المنظمة فكرة جيدة، أو كم من الوقت يجب أن يشاهد ابنك التلفزيون أو ما إذا كان عليك أن تسمحي له بأن يلعب الألعاب الإلكترونية.

الحب وحده لا يكفي

لعلك تعتقدين أن أهم هدية يمكن أن تعطيها لابنك هي الحب. لكن الأهل غالبًا ما يقومون بأمور عقيمة أو حتى مؤذية باسم الحب. قد تقول إحدى الأمهات على سبيل المثال: «أعطي أولادي كل ما يريدونه لأني أحبهم»، وتقول أخرى: «أجعل أولادي يعملون جاهدين لأجل أيّ شيء لأني أحبهم فالعالم الخارجي قاسٍ». ينتقد الأهل أولادهم ويعاقبونهم ويدللونهم، كل هذا باسم الحب.

نادرًا ما يكون الحب هو المشكلة في التربية. إذا راقبت ابنك وهو ينام ليلاً في سريره فأنت تعرفين كم هو غامر ذاك الشعور بالحب. لكن الحب يكون فاعلاً عندما يمتزج بالحكمة وبمهارات تربوية فاعلة وبالقدرة على التفكير في النتائج الطويلة الأمد لقراراتنا.

رواد في التربية

كان الطبيبان الفرد أدلير وورودولف درايكر من بين الرواد في دراسة وفهم سلوك الأولاد. والدكتور أدلير طبيب نفسي عاش في فيينا في زمن فرويد ولكنه اختلف في الرأي مع زميله الشهير في المسائل كافة تقريبًا. انطلق درايكر، وهو طبيب نفسي من فيينا أيضًا، من تعاليم ادلير ثم انتقل في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة حيث عرّف في الثلاثينيات الجمهور الأميركي على فكرة تعليم التربية. دافع درايكر عن العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل ووجد أن الأطفال يحتاجون إلى حس الانتماء إلى عائلاتهم وأهميتهم فيها أكثر من الحب وحده.

انتماء

يتعلّم الأولاد عن الحياة في إطار العلاقات وتُعتبر علاقاتهم الأولى هي الأهم. وبغض النظر عن الجنس أو المظهر أو الموهبة، يحتاج الأولاد كافة لأن يعرفوا بأنهم ينتمون إلى عائلاتهم وبأن ثمة مكانًا لهم فيها. يحتاج الأولاد لأن يعرفوا بأنهم مقبولون من دون قيد أو شرط وبأنهم محبوبون رغم سلوكهم الصعب أحيانًا.

في الواقع، تشير الدراسات الحديثة إلى أن أهم هدية يمكن أن تقدمها الأم أو الأب للولد هو الإحساس بأنه محبوب ومقبول من دون قيد أو شرط. فالعمل على بناء ارتباط آمن أمر ضروري لتربية ابن سعيد وسليم.

يحتاج الأولاد إلى الشعور بأهميتهم الخاصة أيّ أن يعرفوا أنهم مهمّون بغض النظر عما يفعلونه أو ينجزونه، وأن الخيارات التي يقومون بها في الحياة مهمة. في الواقع، يرى أدلير أن لدى كل البشر رغبة غريزية في التواصل مع المجتمع المحيط بهم وفي إعطائه شيئًا في المقابل.

أهميّة العلاقات

قبل سنوات عدة، بدا أن معدلات المشاكل السلوكية والعاطفية بين الأطفال والمراهقين آخذة في الارتفاع ولم يستطع أحد أن يفسر السبب، علمًا أن الوضع المادي يتحسّن في أميركا، فلِمَ يعاني الأولاد أكثر؟

لاحظ كثر أن وتيرة الحياة العائلية تتسارع بشكل مثير للقلق. فمن الشائع اليوم أن يعمل الأب والأم خارج المنزل وأن يمضي الأولاد جزءًا كبيرًا من سنوات عمرهم الأولى في مراكز الرعاية. حتى عندما تجتمع العائلة، يبدو أن ما من وقت للتواصل بشكل حقيقي وصحيح، فكل فرد لديه جهاز التلفزيون الخاص به وحاسوبه وهاتفه الخلوي فضلاً عن الأعمال المنزلية الروتينية. ويتبع العمل الأهل إلى المنزل فيما ينشغل الأولاد بالنشاطات الخارجية وبالواجبات المدرسية.

وثمة طرق عدة لمساعدة الأطفال على تنمية إحساس سليم وصحي بالانتماء والأهمية، من بينها: التشجيع والإصغاء وتمضية الوقت معًا والتربية الفاعلة والمحترمة وتعليم المهارات اللازمة للحياة.

تواصل

يقول الباحثون اليوم إنّ دماغ الإنسان مبرمج منذ الولادة لأجل مهمة محددة: التواصل مع أدمغة أخرى. إذا كنت والدة صبي فهذا يعني أنت. يعبّر آلان سكور، دكتوراه في الطب من كلية دايفيد غيفين للطب في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، عن ذلك كالتالي: «لقد ولدنا كي نشكّل ارتباطات كما أن أدمغتنا موصولة لتتطور بالترادف مع أدمغة أخرى عبر التواصل العاطفي الذي يبدأ قبل النطق بالكلام».

بمعنى آخر، يحتاج ابنك إلى التواصل معك بقدر ما يحتاج إلى الطعام والأمان والمأوى. عندما تحملينه وتهدهدينه وتنظرين في عينيه تساعدين دماغه على أن يطوّر مجموعة الأنظمة اللازمة للعلاقة والتعلّم في المستقبل. لعلك تتذكرين أن الأطفال من الصبيان هم أكثر ضعفًا من الفتيات على الصعيدين العاطفي والجسدي. يحتاج ابنك إلى الكثير من الحنان والوقت والاهتمام والانتباه كي ينمو ويكبر.

تعاون

تخيّلي للحظة سيناريو مألوف. الوقت هو أواخر فترة بعد الظهر. طفلك يأخذ قيلولته ولا يزال في مهده. أنت في المطبخ تستعدين للعشاء والأمسية التي تنتظرك. فجأة، تسمعين بكاء طفلك. ماذا تفعلين؟ يتجه معظم الأمهات وبشكل غريزي نحو غرفة النوم ليكتشفن ما يجري. لعل ابنك استيقظ لتوه وهو يتوق إلى أن يُحمل ويدلل! لعله جائع أو مبتل! أو لعله أصيب بالحمى أثناء نومه ويشعر الآن بالتعب!

تتدخل غريزة الأمومة عندما تحملين ابنك وتنظرين إليه. ورغم أن إشارات الأهل كلهم تتعطّل من حين إلى آخر، إلا أنك تعرفين معظم الوقت ما عليك أن تفعليه. يستمتع الأهل المهتمون وأطفالهم بما يسميه الباحثون التواصل التعاوني ويبدو أنّ هذا التواصل هو أهم كتلة بناء في تطوّر الدماغ والارتباط الآمن، فضلاً عن كونه إحدى المهارات التربوية القليلة التي نجدها في الحضارات المعروفة كافة.

لنفترض أن شيئًا ما أعاق هذه العملية. لنفترض أن صوت التلفزيون منعك من سماع بكاء طفلك أو لعلك مكتئبة ومتعبة ولا تشعرين بأيّ رغبة في السير إلى غرفة ابنك لتري ما الأمر. قد تظنين أنه جائع في حين أنه مبتل في الواقع أو لعلك لم تنتبهي إلى أنه مصاب بالحمى أو بطفح. في هذه الحالة، لن تتمكني من تلبية حاجاته، وهذا ليس بالتواصل التعاوني. ما من أم كاملة! وستتلقين الرسالة بشكل خاطئ من حين إلى آخر مهما بذلت من جهد. لكن، طالما أن ابنك يعلم أنك تستمعين إليه وتهتمين لأمره وأنك ستبذلين قصارى جهدك لتلبي حاجاته، فسيكبر وينمو وينجح.

وبما أن الفتيات يسبقن الصبيان على صعيد تطور المهارات الانفعالية والاجتماعية، فمن الضروري أن تستمعي إلى ابنك وتلمسيه وتتحدثي إليه وتتواصلي معه. إنه يحتاج إلى علاقة معك كي يصبح شابًا سعيدًا ومنتجًا.