المقاطعة والمواجهة من الآن!
السلطة ماضية في اختطافها للمشهد السياسي، وماضية في انتزاع أي سلطة مؤثرة من الشعب واختزال كل شيء في نفسها، ومجلس يقوم على آلية الصوت الواحد لن يكون سوى مجلس ضعيف لا يقوم على أساس القوة الجماعية المؤثرة إنما على التشرذم الفردي مما سيحيله إلى مجلس خدماتي بحت وباقتدار.
لا أعتقد أن المعركة التي يجب أن ينشغل بها الآن التيار المعارض الذي أعلن مقاطعته للانتخابات البرلمانية القادمة هي محاولة إقناع أكبر نسبة ممكنة من الناخبين بمقاطعة الانتخابات، وذلك لسببين رئيسين: الأول، هو أن المقاطعين ما عادوا بحاجة لإقناع أحد بموقفهم هذا لأن المسألة قد أشبعت على مدى شهور طويلة شرحاً وتوضيحاً ونقاشاً وجدالاً، ومن اقتنع آنذاك فقد اقتنع، ولا شيء قد تغير في الموضوع، بل قد زادت الأمور سوءاً، ومن لم يقتنع فلن يقتنع غالباً.
والسبب الثاني، وهو الأهم بالنسبة إلي، أن السلطة لن تكترث كثيراً بحجم نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة، مثلما أنها لم تكترث سابقاً بنسبة المشاركة في الانتخابات الماضية، وهي التي قيل إنها النسبة الأقل في عمر الديمقراطية الكويتية. صحيح أنه سيسعدها طبعاً أن تكون نسبة المشاركة عالية، وذلك من باب استشعار الانتصار على المقاطعين، ولكن انخفاضها في المقابل لن يوصل إليها أي رسالة مؤثرة أو حتى يجرح مشاعرها ناهيك عن أن يغير من مواقفها شيئاً! السلطة ماضية في اختطافها للمشهد السياسي، وماضية في انتزاع أي سلطة مؤثرة من الشعب واختزال كل شيء في نفسها، ومجلس يقوم على آلية الصوت الواحد لن يكون سوى مجلس ضعيف لا يقوم على أساس القوة الجماعية المؤثرة إنما على التشرذم الفردي مما سيحيله إلى مجلس خدماتي بحت وباقتدار، وسيفرغه من كل بقايا قوته الموهومة لتمثيل أي حاجز ردع يمكن أن يقف في وجه تغوُّل الحكومة وتنمرها على الرغم من سوء أدائها المتعاقب وفسادها الواضح للعيان!ومن يظن أن مواجهة هذا الواقع السياسي المنحرف والمزري لا يمكن أن يكون اليوم إلا عبر المشاركة في الانتخابات القادمة وتغييره من خلال ذات البرلمان فهو مخطئ تماما، فالبرلمان القادم، وهو الذي تم تغيير قواعد تشكيله بمعزل عن إرادة الشعب مصدر كل السلطات بحسب ما يقول الدستور، لن يكون إلا مجلساً صورياً مهللاً سلفاً، وليس سوى فخ يُراد أن تُستدرج المعارضة للوقوع فيه ومن ثم إشغالها بعشرات القضايا والصراعات الجانبية الهامشية كما رأيناه يحصل كثيراً في المجالس السابقة، وأيضا لإمضاء مشيئة السلطة بتغيير شكل وآليات، وبالتبعية نتائج الانتخابات وإرغام الجميع على القبول تحت شعار ليس لكم إلا أن تتقبلوا هذا الأمر الواقع وتتعايشوا معه!المسألة التي يجب أن ينشغل بها التيار المقاطع للانتخابات القادمة اليوم، ودون إبطاء، هي المباشرة في الاجتماع على رؤية واحدة والبدء بالتخطيط لصناعة خطوات المواجهة مع هذه السلطة التي أبت إلا أن تختزل الأمر، كل الأمر، في نفسها. ولا يوجد أبدا ما يدعو إلى انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات القادمة، فالنتائج وكما أسلفت لن تغير من الأمر من شيئاً، ولا بد لذلك من المسارعة إلى حشد كل الأدوات والوسائل السلمية والشروع في التصعيد والمواجهة لعرقلة المضي في اختطاف واقعنا السياسي وبقايا ديمقراطيتنا المعطوبة أصلاً بهذه الطريقة.