الطفل والمواطنة *

نشر في 01-03-2013
آخر تحديث 01-03-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي يشكّل دور الأسرة المدماك الأساسي الذي تنهض عليه ممارسات السلوك التربوي لدى الإنسان، والتي تصاحبه طوال حياته. فالأسرة تمثل التربة التي ينبثق منها الطفل، والبستان الذي سينمو فيه. ولا يعادل تأثير الأسرة في التنشئة السوية للطفل أي تأثير. ففي المراحل الأولى من حياة الطفل، تكون صفحة اللاوعي بيضاء، وأقدر ما يمكن على التقاط كل ما يعبر من أمامها، والمفارقة الكبيرة تكمن في عدم إعطاء معظم الأسر الانتباه والاهتمام الضروريين للسنوات الأولى من حياة الطفل. فردود فعل الإنسان تجاه الأصوات والألوان والروائح وحتى مذاقات الأطعمة، تُحفر في لاوعيه في الفترة، التي تمتد في أقصاها إلى ما دون الثالثة.

يتفتح وعي الطفل الأول في حضن وبيئة الأسرة، وبقدر استواء العلاقة الإنسانية بين أفراد الأسرة، الأم والأب والأخوة، يكون استواء شخصية الطفل، وقدرته المستقبلية على التكيّف مع المجتمع. كما يلعب الوضع الاجتماعي والاقتصادي والفكري والعلمي والثقافي للأسرة، دوراً أساسياً في تشكيل عجينة الطفل وردود أفعاله المستقبلية. بما في ذلك موقفه من قيم وممارسات المواطنة الصالحة.

يتحدد تأثير الإعلام على أي أسرة، وأثره في التربية، تبعاً لدرجة التقارب والود داخل الأسرة، وتبعاً لمستوى الأسرة الاقتصادي والاجتماعي والفكري والثقافي. لكن، إذا ما أخذ في الاعتبار وضع الأسرة الكويتية المالي، في المتوسط، وصلتها باللحظة الكونية التي نعيش فيها: ثورة المعلومات، والفضاء المفتوح، ومواقع شبكة الإنترنت، ومحركات البحث، والمحطات التلفزيونية الفضائية، وشبكات التواصل الاجتماعي، فإن التأثير يبدو جلياً سواء بالموجب أو السالب، خاصة مع تقهقر دور الأم الكويتية في احتضان وتربية أبنائها، مقابل تضخّم دور المربية الأجنبية داخل الأسرة.

ما يجب الانتباه إليه، أن دور الإعلام المحلي في توجيه وعي أي أسرة، يسير إلى اضمحلال، بسبب من التطور الكبير الذي لحق بعالم البث التلفزيوني العابر للقارات، إضافة إلى عالم الإنترنت المترامي والقادر على الوصول إلى أصغر أفراد الأسرة سناً. هذا الواقع التقني المتطور، قلل من فرصة أي إعلام محلي للتأثير منفرداً في وعي أي فرد، لكنه في الوقت نفسه، زاد من فرصة تأثير الإعلام الكوني في حياة الأسر، لاسيما سيطرة التلفزيون على معظم أوقات الأسرة أثناء تواجدها في المنزل.

في موازاة دور الأسرة في التربية يأتي دور المؤسسات التعليمية، بدءاً برياض الأطفال وانتهاءً بالدراسة الجامعية. ويبدو وصف التعليمية دالاً، بنفيه ولو جزئياً للصفة التربوية الخالصة. فالدراسات التي تبحث في علم الإبداع والتميّز لدى الإنسان، تُجمع على أن التعليم في مراحله الأولى يحدّ بشكل كبير من انطلاق مخيلة الأطفال. فالطفل في براءته وحركته وانطلاق مخيلته غير المحدود، يرى في زرقة قلم الرسم لون البحر، ويستشعر في تكور الورقة كرة تتقاذفها الأقدام، وتتحرك المعلقة في يدها بوصفها طائرة نفاثة. وعليه فإن أهم ما يفعله التعليم في المراحل الأولى، هو تعويد الطفل على النظام، وتقييد حريته بما يقلل من اندفاع مخيلته. لذا فإن انتقال الطفل من الجو الأسري والحر والمريح، إلى عالم الانضباط هو نقلة كبيرة، ويدلل اندماج الطفل في محيطه الجديد، على قدرته على الانتماء إلى الآخر والتعامل معه.

إن دور المؤسسة التعليمية في السنوات الأولى، يكمن بغرس النظام في حياة الطفل، وتعزيز قيم الأخلاق الحسنة والانتماء والتفاهم الإنساني والاجتهاد والصدق والمحبة، وهذه في مجملها تكوّن جزءاً أساسياً من قيم المواطنة الصالحة.

أثر الإعلام على دور الأسرة والمؤسسة التعليمية، إلى اضمحلال وإلى تزايد معاً، وهذا التضاد هو خير من يمثل روح العصر.

* جزء من ورقة قُدمت إلى الملتقى الثاني لمشروع "ولاء".

back to top