انتهينا قبل أيام عدة من أجواء سبتمبر السياسية السنوية التي تبتدئ بالزيارات إلى الأمم المتحدة وتتوسطها اجتماعات وزراء الخارجية على هامش الجمعية العامة، وتنتهي بالخطاب الرسمي الدولي في الجمعية العامة.

Ad

ولكل عام نجوم تستقطب اهتمام الصحافة إما بشكل جيد كممثلي إفريقيا وإما بشكل سيئ كهوغو تشافيز قبل أعوام عدة... أما هذا العام فأتت مكالمة أوباما مع روحاني لتتصدر الصحف، وتشعل التكهنات حول مثلث الولايات المتحدة والخليج وإيران ومحصلة العلاقة.

ويأتي شهر أكتوبر فيبتدئ- سنوياً أيضاً- بمقالات حول مجلس الأمة بمناسبة الجلسة الافتتاحية، والتعليق على المثلث الآخر يجمع الحكومة بممثلي الشعب والشعب ذاته الذي أصبح طرفاً في الحوار بعد المشاركة في استبيان الأولويات، وهنا نقف أمام مفترق طرق يعتقد من خلاله البعض أنه لو قام الجهاز الإحصائي والاستقصائي الحكومي بدوره لأجرت الحكومة الاستبيان ولباشرت بخطة تنفيذية دون وسيط، فيتفرغ المجلس للتشريع والمحاسبة، ويعتقد البعض الآخر أن قيام المجلس برصد الأولويات سيعطي دفعة "تنفيذية" للجهاز الحكومي... وما علينا إلا الانتظار حتى تتضح الأمور.

أما نوفمبر، فيأتي لاقترابه من القمة الخليجية، التي تعقد في ديسمبر من كل عام، بندوات ومحاضرات ومقالات أيضاً حول مجلس التعاون الخليجي، ومن المتوقع أن يصبح موضوع هذا العام الاتحاد الخليجي (الكونفدرالي) ما له وما عليه، والاتفاقية الأمنية وإمكان تعديلها لضمان المزيد من الحقوق للمواطن الخليجي، بالإضافة إلى دور المجالس المحلية الخليجية بأنواعها في المصادقة عليها.

وهنا اسمحوا لي أن أوضح نقطة مهمة حول الفرق بين الاتحاد الكونفدرالي والفدرالي؛ فالاتحاد الكونفدرالي أسلوب من أساليب التعاون المنظم باتفاق يجمع مجموعة من الدول لها انتماء سياسي ثقافي اجتماعي، أي حضاري مشترك، وبالتالي إبرامها اتفاقاً دولياً ينص على قيام اتحاد إما كجهاز واحد أو أجهزة عدة، وتفوضه في ممارسة "الشيء المحدود" من اختصاصات السيادة، وللدول الأعضاء سيادتها الكاملة وشخصيتها الدولية الكاملة غير المنقوصة، وهو يختلف عن الاتحاد المركزي أو الفدرالي الذي ينشأ بمعاهدة بين الدول لتصبح دولة واحدة لها شخصية قانونية خارجية ولها أيضاً سيادة داخلية، فتفقد شخصيتها القانونية داخلياً وتبقى شخصيتها الدولية.

والطريف في الأمر أننا تحت مظلة السياسة، كلما تطرقنا إلى موضوع السياسة المحلية دخلنا في دوامة التحليل السياسي، فهل نلتفت إلى سلوكيات الأفراد أم إلى المؤسسات ككل، وللعلاقات بين الدول أيضاً أدبيات السلوك والدوافع لاتخاذ القرار ونلجأ دوماً إلى "هولستي وبتشالا"، وهما عالمان في السياسة الدولية الأول فنلندي والثاني هندي، وقد أصبحا من ثوابت السياسة الدولية، فالأول يرى التفاعل بين الدول جزءاً أساسياً من السياسة الدولية. والثاني يرى السلوك الذي تنتهجه الدول أهم من عملية التفاعل. وبين هولستي وباتشالا نبحث في أدبيات السلوك والعلاقات بين الحكومة والمجلس وتقييم المواطن للوضع المحلي ونقترب من قمة دول مجلس التعاون التي ستعقد في الكويت هذا العام لنتابع التغييرات في مؤسستنا الإقليمية... هل ستتبع هولستي أم بتشالا أي الدول كوحدات أم سلوكياتها ووحدات اتخاذ القرار لديها؟... وللحديث بقية.

كلمة أخيرة:

في الماضي كنت أشعر بالغثيان لمجرد القراءة في السيارة، ولكن الازدحام المروري "المزعج" أرغمني على قراءة أجزاء من كتاب الدكتور رشيد العنزي حول القانون الدولي، وقد استمتعت به، فهل ستحل الأزمة المرورية قريباً أم سترغمني القراءة في السيارة على أن أصبح خبيرة في القانون الدولي؟!