تواجه مصر خطر «ثورة جياع» بعد عامين من انتفاضة شعبية أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، إذ إن أسعار الغذاء والطاقة سترتفع، سواء حصلت الحكومة على قرض من صندوق النقد الدولي أو لم تحصل عليه.

Ad

والفشل في الحصول على قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار من الصندوق أو بعض التمويلات الأخرى ستكون له عواقب وخيمة، فإذا واصلت مصر استنفاد العملة الأجنبية بالوتيرة المستمرة منذ انتفاضة 2011 فلن يبقى منها شيء بعد نحو عام من الآن.

لكن النجاح في الحصول على القرض من شأنه أيضا أن يثير توترات اجتماعية وسياسية، ففي مقابل القرض سيطلب صندوق النقد إصلاحا لنظام الدعم الذي لم تعد الدولة قادرة على تحمله منذ فترة طويلة، والأغنياء هم الأكثر استفادة من دعم الطاقة، الذي يستنزف موارد الدولة، لكن الفقراء سيكونون الأكثر تضررا إذا توقف هذا الدعم.

وضع صعب

وقال صلاح جودة أستاذ الاقتصاد إن الوضع سيكون صعبا، سواء حصلت مصر على قرض الصندوق أو لم تحصل عليه، مضيفا أنه إذا رفعت الحكومة الدعم فورا فمن المتوقع أن تحدث ثورة جياع. وهوى الوضع الاقتصادي الصعب بالمصريين من قمة ثورة «الربيع العربي» إلى حضيض الفقر.

وبسبب الصراع الدائم بين الإسلاميين، الذين ينتمي إليهم الرئيس محمد مرسي، والمعارضة، على هوية مصر المستقبلية زادت التوترات، واثيرت الشكوك في إمكانية التوصل إلى توافق سياسي بشأن إصلاح الاقتصاد.

وتبدي الولايات المتحدة، وهي أكبر مساهم في صندوق النقد، قلقا بشأن الأزمة الاقتصادية، واحتمال أن تؤدي إلى زعزعة استقرار حليف استراتيجي لها في منطقة مضطربة.

وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في زيارة للقاهرة في مطلع الأسبوع، «من المهم جدا والضروري والملح أن يكتسب الاقتصاد المصري قوة، وأن يقف على قدميه مجددا»، مضيفا: «من الواضح لنا أنه يتعين التوصل إلى ترتيب مع صندوق النقد وهو ما نحتاجه لإعطاء الثقة للسوق».

وتتحدث الأرقام تتحدث عن نفسها، فقد تراجعت احتياطات النقد الأجنبي إلى 13.5 مليار دولار بنهاية فبراير، من 36 مليار دولار قبل اندلاع الانتفاضة، وتباطأت وتيرة تراجع الاحتياطات بشكل كبير في الشهر الماضي.

لكن الاحتياطيات تراجعت نحو 865 مليون دولار شهريا منذ نهاية 2010، ما يعني أن المستويات الحالية لن تدوم أكثر من 15 شهرا إذا استمر التراجع بهذه الوتيرة.

احتياطات منخفضة

وقال وليام جاكسون من كابيتال إيكونوميكس في لندن: «احتياطات مصر من النقد الأجنبي مازالت منخفضة جدا، ودون المستوى الذي وصفه البنك المركزي في السابق بأنه حرج، لكن ما نخشاه أكثر من ذلك هو أن تتجدد الاضطرابات السياسية ويفقد المستثمرون والمصريون الثقة».

وإذا نفدت الموارد المالية لمصر بالعملتين الأجنبية والمحلية فمن المرجح أن ينهار نظام الدعم، وتشهد البلاد نقصا في السلع وارتفاعات في الأسعار في عودة فوضوية إلى السوق الحرة، وهذا السيناريو من الاضطراب في أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان يدعم رأي من يقولون إن قرض صندوق النقد حيوي.

وأنفق البنك المركزي أكثر من 20 مليار دولار، في محاولة لدعم الجنيه المصري، لكن العملة فقدت، رغم ذلك، 14 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ ما قبل الثورة، وحدث نصف هذا الانخفاض منذ نهاية العام الماضي.

وزاد هذا التراجع من العبء الثقيل الذي تتحمله الميزانية بسبب نظام الدعم الذي يرجع تاريخه إلى الرئيس جمال عبدالناصر في خمسينيات القرن الماضي، وتزايدت تكلفة الدعم على مدى سنوات، مع تزايد عدد السكان الذين يعيش غالبيتهم على خمسة في المئة فقط من مساحة البلاد.

تراجع العملة

وتضطر الحكومة الآن إلى شراء معظم النفط وجزء كبير من القمح الذي تحتاجه لنظام الدعم من الأسواق العالمية بعملة محلية آخذة في التراجع، ويلتهم دعم الخبز -الذي يتجه إلى الفقراء لأن الميسورين يفضلون الخبز الأعلى جودة- نحو 5 في المئة من ميزانية الدولة.

والمشكلة الأكبر من ذلك بكثير هي دعم الطاقة الذي يلتهم نحو 20 في المئة من الميزانية. وتوقع وزير البترول أسامة كمال الشهر الماضي أن تبلغ فاتورة دعم الطاقة 120 مليار جنيه (17.8 مليار دولار) في السنة المالية التي تنتهي بنهاية يونيو، ولا تستطيع مصر توفير هذه الأموال.

وفي خطة اقتصادية أعدت الشهر الماضي من أجل صندوق النقد توقعت الحكومة أن يبلغ عجز الميزانية 189.7 مليار جنيه في السنة المالية الحالية بافتراض المضي في الإصلاحات، وهذا يعادل 10.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وبدون الإصلاحات من المتوقع أن يبلغ العجز 12.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبالمقارنة مع ذلك اضطرت البرتغال -حيث مستوى المعيشة يعادل على الأقل ثلاثة أضعاف مثيله في مصر- لطلب مساعدة مالية من صندوق النقد والاتحاد الأوروبي عام 2011 رغم أن أعلى مستوى لعجز ميزانيتها لم يتجاوز 10 في المئة.

مفاوضات القرض

وسيستهدف صندوق النقد مسألة الدعم في مفاوضات القرض التي لم تستأنف حتى الآن، وكانت مصر قد توصلت إلى اتفاق مبدئي مع الصندوق في نوفمبر الماضي، ثم أرجئت المفاوضات بطلب من الحكومة المصرية في ديسمبر بسبب اضطرابات في البلاد.

وقال مسعود أحمد، الذي يرأس إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد، إن نظام الدعم الشامل يفتقر للكفاءة في حماية الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع، مضيفا ان نحو 20 في المئة إلى 35 في المئة فقط من الإنفاق على الدعم يصل إلى 40 في المئة الأكثر فقرا بين السكان.

وكتب أحمد، في مقال يتحدث عن البلدان العربية بوجه عام، في عدد مارس من مجلة التمويل والتنمية التي يصدرها صندوق النقد على الإنترنت، ان «الضغوط على الميزانية الآن تجعل إصلاح الدعم الشامل أكثر إلحاحا، وأصبح توفير شبكات أمان أفضل وأكثر قوة للمحتاجين على نفس الدرجة من الأهمية».

ويعيش 40 في المئة من المصريين على أقل من دولارين يوميا، ورغم أن الفقراء لا يمتلكون سيارات إلا أن ارتفاعا شديدا في تكاليف الوقود بسبب تخفيضات الدعم من شأنه أن يدفع تكاليف النقل للارتفاع، ما سيرفع أسعار الغذاء الذي يشترونه.

ارتفاع تكاليف المعيشة

وتوقع جودة، أستاذ الاقتصاد في جامعة بني سويف، اندلاع احتجاجات في الشوارع حين ترتفع الأسعار، لأنه «لا أحد يستطيع تحمل ارتفاع تكاليف المعيشة، وستكون معاناة الفقراء هي الأشد».

ويدعم بحث للبنك الافريقي للتنمية هذا الرأي. وكتب فنسنت كاستل، وهو منسق برنامج في البنك في مقال عن مصر، «غالبا يكون المقصود بدعم الطاقة مساعدة الفقراء، لكنه عمليا يفيد الأغنياء»، مضيفا: «رغم أن الخسارة في الفوائد الاجتماعية ستشمل كل السكان فإن الفقراء ومن يدانيهم هم الأكثر عرضة لذلك، لأن نفقات الطاقة تلتهم جزءا أكبر من دخولهم».

وتشهد أجزاء كبيرة من مصر توترا شديدا حاليا، واندلعت أعمال عنف في نوفمبر وديسمبر، بعد أن منح مرسي نفسه سلطات واسعة لفترة مؤقتة، وانحسر العنف لكن نحو 60 شخصا قتلوا في مدينة بورسعيد في يناير، وتجددت الاضطرابات هناك خلال الأسبوع الجاري، وهذه الأجواء المشحونة لن تجعل الإصلاح سهلا.

وقالت المديرة السابقة لقطاع البحوث في البنك الأهلي المصري سلوى العنتري، والتي ترأس حاليا اللجنة الاقتصادية في الحزب الاشتراكي المصري، إنها تتوقع اندلاع احتجاجات شعبية عارمة إذا نفذت إجراءات التقشف، مضيفة أن المصريين سيشعرون بضغوط شديدة، بسبب ارتفاع الأسعار، بعد أن كانوا يأملون تحسن الوضع بفضل الثورة.

دعم الوقود

ووعد وزير البترول بأن يظل دعم الوقود متاحا لبعض المصريين بموجب نظام للحصص، ومن المنتظر أن يبدأ هذا النظام في يوليو، لكن الحكومة لم تعلن تفاصيل كثيرة بشأنه، وسترتفع التكاليف بشدة خارج هذا النظام.

ووفقا لتقديرات تم إعدادها لصندوق النقد من المتوقع أن يرتفع سعر البنزين 90 أوكتين إلى 5.71 جنيهات (0.85 دولار) للتر من 1.75 جنيه وسعر السولار إلى 5.21 جنيهات من 1.10 جنيه، ومن المرجح أن تحدث هذه الزيادات تدريجيا، لكن هذا قد يطيل أمد أي ردود فعل غاضبة.

ويقول صندوق النقد إنه لا ينبغي التضحية بالإصلاح من أجل الاستقرار في البلدان العربية.

وقال أحمد، الذي التقى مرسي في يناير، «من المهم كما هو الحال الآن التركيز على حفظ الاستقرار الاقتصادي، ومن المهم ألا نحول أنظارنا عن التحديات الأساسية متوسطة الأجل، المتمثلة في تحديث اقتصادات المنطقة وتنويعها، وتوفير مزيد من الوظائف وإتاحة فرص عادلة ومتكافئة للجميع». لكن الإصلاح لايزال ممكنا.

وكتب يقول: «في عالم الحلول الأدنى درجة قد يكون من الضروري المضي قدما بالإصلاحات التي تحظى بتأييد كاف وتأجيل إصلاحات أخرى... بعض التقدم أفضل من عدمه»، مضيفا ان السياسيين يتحملون مسؤولية شرح ضرورة هذه الإجراءات، وإمكانية توجيه الأموال المتوافرة من ترشيد الإنفاق إلى مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم.

تكلفة باهظة

وتابع أحمد: «ينبغي أن يشرح صانعو السياسة التكلفة الباهظة لنظام الدعم الحالي وضعف كفاءته والتكاليف المترتبة عليه في أجزاء أخرى من الميزانية»، مضيفا: «في أي إصلاح يتعلق بزيادة الإيرادات أو تخفيض النفقات من المهم توضيح أن الحصيلة ستستخدم لتحقيق آثار طيبة».

وخلال زيارته للقاهرة شدد كيري على أهمية أن يدعم السياسيون المصريون من شتى التيارات عملية الإصلاح، لكن فرص هذا تبدو ضعيفة، وأعلنت معظم أحزاب المعارضة الليبرالية واليسارية مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي ستبدأ في ابريل.

ومن المنتظر أن يمهد قرض صندوق النقد الطريق لمساعدات من جهات أخرى، مثل البنك الدولي والبنك الافريقي للتنمية ودول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي، غير أن كثيرا من المصريين يشكون في أن القرض سيؤدي إلى تدفق استثمارات حيوية من القطاع الخاص.

وقال جودة: «قرض صندوق النقد لن يحل أي شيء... لا يوجد أمن في البلاد، ولن يرغب أحد في الاستثمار في مصر، في ظل الاضطرابات السياسية»، مضيفا أنه إذا حصلت مصر على القرض فستظل بحاجة لاستجداء المال.

(رويترز)