يعاني عدد من الليبراليين، وليس كلهم، أزمة موقف سياسي مقلقة بعد "انقلاب" ٣٠ يونيو العسكري في مصر، حيث يصر الكثير منهم على تغيير لفظ انقلاب إلى لفظ "ثورة" شعبية، حتى يرتاح ضميرهم "الليبرالي" من عبء مساندة الجنرالات الجدد وحاشيتهم في كورس النظام بمصر. كان الأحرى بالأصدقاء الليبراليين في الكويت أن يتمهلوا، ولا يندفعوا في أحلامهم وأوهامهم عن النظام "الجديد" وأنه أنهى مشروع الدولة الدينية لحكم "الإخوان"، وأنهم أمام مشروع تقدمي ليبرالي عظيم يساند الحقوق والحريات الأساسية ويقيم العدالة الاجتماعية، ويصبح أساساً للدولة التقدمية في مصر، التي ستقود العالم العربي المتخلف خلفها في دنيا الحريات والديمقراطية، وتنهي حالة البؤس الاستبدادية والتخلف الفكري التي تعانيها المجتمعات العربية منذ لحظة ولادة أكثر دولها المتنافرة عرقياً ودينياً ما بين نهاية الحرب العالمية الأولى ونهاية الثانية! وكأن ليبراليينا يرون قصر "ماجيك كنغدوم" المملكة السحرية في "ديزني لاند" قادماً لهم من مصر، وبطريقة الأفلام الهوليوودية عن حتمية انتصار البطل الجميل في نهاية الفيلم.

Ad

عند بعض هؤلاء الليبراليين خوف وقلق وجوديان من دولة الاستبداد الديني، وشدَّد تلك المخاوفَ اجتهاداتٌ وممارسات خاطئة للرئيس مرسي خلال فترة حكمه القصيرة، عجز فيها عن استيعاب القوى الأخرى غير "الإخوان" ضمن مؤسسة الحكم. تحت تأثير تلك المخاوف لم يرَ هؤلاء الليبراليون الجانب المظلم للمسرح المصري عن نفوذ وقوة مؤسسات الفساد المتمثلة في الدولة العميقة بمصر، والتي كانت ومازالت، تنخر كالسوس في عظام ذلك القطر لأكثر من ثلاثين عاماً، والتي تتحين الفرص لإنهاء مشروع التغيير نحو الديمقراطية، بمساندة دول رجعية عربية تخشى كلمة "تغيير" وتريد أن تمحو تلك الكلمة من القاموس العربي.

آخرون يضعون على وجوههم أقنعة الحداثة والليبرالية، ولكنهم في حقيقتهم جزء ثابت من منظومة الأنظمة القائمة العربية الرافضة للتغيير، وتأييدهم للانقلاب يصبح مسألة مفهومة، وإن تذرعوا وتحججوا بخطاب أجوف عن الحقوق والحريات، تلك الجماعات الانتهازية المتسلقة ليست موضوع الحديث. الذي يهمني هو الفريق الأول الذي أعمته كراهية "الإخوان" عن رؤية الواقع، فأحد الكتاب الغربيين، ومثله بالمناسبة كثيرون، كان تحليله ورؤيته لما حدث بمصر أكثر مصداقية من أصدقائنا الواهمين، هو مايكل كوبلو، والذي يذكّرنا بدورية "فورن أفيرز" عن انتخابات زين العابدين في تونس عام ٨٧ حين أمسك الحكم وأوهم أهل البلد أنه يحمل مشروعاً ديمقراطياً ليبرالياً منفتحاً وأفرج عن السجناء السياسيين، وأجرى انتخابات برلمانية في نوفمبر ذلك العام، وحين ظهرت النتائج عن تقدم الإسلاميين، تم التلاعب بها وضرب الإسلاميين بعدها، ولم يمضِِ وقت طويل حتى استدار نحو بقية القوى المعارضة لينفرد ويبطش بهم، لم يفرق بين إسلامي وليبرالي ويساري.

تلك حادثة قريبة، فهل يتذكرها ربع الليبراليين اليوم ويتذكرون أنهم الثور الأسود الذي سيتم التهامه بعد الثور الإسلامي الأبيض إن لم يكن قد تم ابتلاعهم سلفاً؟!