جميل حتمل
![زاهر الغافري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1462211981272872400/1462211991000/1280x960.jpg)
كان صلباً، لكن تلك الصلابة كانت تخفي خلفها خيطاً رقيقاً من الحزن، من الوجع، بسبب صفاقة العالم، بسبب الجدار الذي اصطدم به هو وجيله، بسبب الخيبات الكبيرة، إن كان على المستوى الشخصي أو العام، بسبب أحلام أجهضت في مهدها، كانت طبيعة المرحلة تقول هذا، طبيعة القسوة والاستبداد و»تفريغ الكائن» إذا استعرنا عنوان رواية خليل النعيمي، انسداد الأفق على نحو مدمر، كل هذا يُعبّر عنه جميل حتمل، في مجموعاته القصصية الخمس، ابتداء من «الطفلة ذات القبعة البيضاء، انفعالات، حين لا بلاد قصص المرض، قصص الجنون حتى آخر أعماله، سأقول لهم». كان جميل يحاول أن يفتح كوة صغيرة ينفذ منها الضوء، ضوء دافئ وسط برودة العماء والعتمة، حلم واحد صغير لائق بالإنسان، لكن «شرق المتوسط» الذي نعرفه، شرق الاستبداد هذا لا يترك حيزاً لهذه الأحلام، يُسجن جميل حتمل، -كما يُسجن آخرون- يخرج من السجن مريضاً، معطوب القلب، فيستقبله صقيع المنافي زمناً، ثم يرحل، يرحل إلى الأبد عن هذا العالم غير المأسوف عليه، وعلى وجهه ابتسامة حزينة، لقد وصل به الأمر إلى حد الرجاء، الرجاء من الخالق أن يعيده إلى أرضه حتى ولو كان جثة، ففي إحدى قصصه يكتب: «تعبت وأريد كل مساءٍ أن أهمس لابني بمساء الخير، تعبت من الصقيع من سياط الوحشة، من برودة الرغبات، تعبتُ فأعدني يا الله ولو جثة أعدني».هذا الإحساس الحاد بالاغتراب والخيبة ذو منشأ داخلي أكثر مما هو من طبيعة الجغرافيا، فحتى في قصصه المبكرة، التي تعود إلى أواخر السبعينيات والثمانينيات، يظهر إحساس الخيبة هذا وان على نحو أقل.