بعد سلسلة من القرارات التي اتخذتها النيابة العامة، على خلفية التحقيقات الجنائية التي أجرتها في العديد من القضايا الجنائية المحالة إليها، وتحديدا في قضايا المغردين والمشاركة في التظاهرات الأخيرة، تعالت الأصوات التي تنتقدها لإصدار قرارات إخلاء السبيل محملة بكفالات مالية مرتفعة، وهو الانتقاد الذي أكدت النيابة عدم صحته والتزامها بتطبيق القانون.

Ad

وكشف النائب العام المستشار ضرار العسعوسي، في تصريح لـ»الجريدة»، أن النيابة العامة تصدر قرارات إخلاء السبيل بضمانات مالية او إخلاء السبيل بلا ضمان مالي بحسب كل قضية على حدة، وتتعامل وفق كل قضية وظروفها وملابساتها والادلة الخاصة بها، حسبما تكشف التحقيقات في البلاغات المعروضة أمامها.

كفالات مالية

وقال العسعوسي إن النيابة سبق لها أن أفرجت عن متهمين في قضايا متهم بها عدد من المغردين أو حتى الخروج في تظاهرات دون ترخيص بلا ضمان مالي، وهناك قضايا قررت فيها النيابة إخلاء سبيل المتهمين بكفالات مالية بحقهم، وبحسب نوع كل قضية على حدة، ولا يوجد أي ارتباط بينها، وهناك قضايا امرت النيابة بحفظها نهائيا ولم تقم بإحالتها إلى المحاكم.

وأكد ان النيابة سبق أن أمرت بإخلاء سبيل متهمين، وقررت المحاكم الجزائية بعد ذلك حبسهم، والعكس صحيح، وهذا من صلاحيات المحاكم حسبما تنص على ذلك القوانين المنظمة بهذا الشأن، موضحا أن النيابة لا تتعامل مع كل قضية تحال إليها باتخاذ إجراءات الحبس فيها أو إصدار كفالات مالية عالية، وإنما يصدر القرار بكل قضية بحسب ما تحمله من أدلة وأقوال من المتهم بما يتناسب معها قانونا.

وحول امتناع المتهمين عن سداد الكفالات المالية التي تصدرها النيابة العامة المصاحبة لإخلاء سبيلهم قال العسعوسي: «إن رفض سداد الكفالات المالية التي تقررها النيابة مرفوض من الناحية القانونية، وأي متهم عاجز عن سداد الكفالة عليه أن يقرر كتابة عجزه عن السداد للنائب العام، ومن ثم يقرر النائب العام تخفيض الكفالة أو دفع الكفالة السابقة»، لافتا إلى أن رفض سداد الكفالة دون إقرار المتهم بعجزه عن سدادها لا يبرر للنيابة تخفيضها.

وذكر انه سبق للنيابة للعامة أن قررت في العديد من القضايا تخفيض الكفالات المالية التي سبق وامرت بها، بعد ان يتقدم من صدرت بحقه الكفالة بكتاب يقرر فيه عجزه عن السداد، موضحا أن القرارات التي تصدرها النيابة دائما تراعي القانون اولا واخيرا.

قرار الإفراج

بدوره، شدد أستاذ القانون الجزائي والاجراءات د. فيصل الكندري على أن المادة 72 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية تنص على أن للمحقق، في أي وقت، إصدار قرار بالافراج عن المتهم المحبوس متى وجد ان حبسه لم يعد له مبرر، ولا ضرر على التحقيق من اخلاء سبيله، ولا يخشى هربه او اختفاؤه.

وزاد أنه «إذا كان الفعل المجرم المنسوب إلى المتهم معاقبا عليه بالإعدام أو الحبس المؤبد يلزم عندها تقديم تعهد بالحضور في المكان والزمان اللذين يعينهما المحقق، وكفالة من شخص قادر أو تأمين مالي يطوعه صندوق المحكمة، أما في غير هذه الجرائم فإن على المتهم أن يقدم تعهدا بالحضور كلما طلب منه ذلك، وللمحقق وفقا لتقديره أن يلزمه بتقديم كفالة أو تأمين مالي دون مبالغة أو لا يلزمه بذلك».

وأضاف: «اذا كان قرار الافراج مشروطا بتقديم كفيل او ايداع تأمين مالي، فانه لا يكون نافذا الا في التاريخ الذي يوقع فيه الكفيل تعهده، او الذي يودع فيه مبلغ التأمين، اما اذا كان التعهد بدون ضمان فإن قرار الافراج ينفذ متى وقع المتهم التعهد».

وتابع: «ومتى اصبح قرار الافراج نافذا، أصدر المحقق أمرا الى ضابط السجن، الذي يوجد به المتهم، لاخلاء سبيله، وعلى ضابط السجن ان يخلي سبيله فورا، ما لم يكن محبوسا لسبب آخر، ففي هذه الحالة يبقى محبوسا على ذمتها».

واستدرك ان لسلطة التحقيق حق تقدير الكفالة أو التأمين المالي وفقا لنوع الجريمة المرتكبة والأدلة المتحصلة بإثبات الجريمة وخطورة الفعل المرتكب، لكن هذا التقدير خاضع فقط لعدم المبالغة بالتقدير، ولا يوجد نص يقيد حق تلك السلطة بتقدير قيمة الكفالة أو التأمين المالي، موضحا أن هناك تفاوتا في تقدير قيمة الكفالة أو التأمين من محقق لآخر، حيث لا يوجد لديهم تعليمات أو ضوابط في تقديرها.

وأشار الكندري إلى ان اللغط الذي حدث مؤخراً له ما يبرره، حيث لا يوجد لدى المتهمين أو حتى محاميهم سبب في تفاوت مبلغ التأمين أو الكفالة المالية إلى درجة وصفها بالمبالغ في تقديرها، حيث لا توجد ضوابط لدى سلطات التحقيق بتقديرها أو حتى معرفة قيمتها سلفا.

وذكر ان من الأفضل التدخل تشريعيا أو بإصدار تعميم من النائب بالتوافق مع مدير الإدارة العامة للتحقيقات بوضع ضوابط معلومة سلفا للجميع بتقدير قيمة الكفالة أو التأمين المالي للإفراج عن المتهمين، كي تكون مسطرة واحدة لجميع سلطات التحقيق عند تقدير قيمتها.

سلطة الادعاء

من جهته، قال استاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد بوزبر إن النيابة العامة هي ممثل المجتمع وصاحبة سلطة الادعاء العام في الجنايات بشكل عام والجنح بشكل خاص، وهي الأمينة على الدعوى العامة، والخصم الشريف الذي يحرص دائما على حماية حقوق المجتمع وحرياته.

وأضاف بوزبر أن مرحلة التحقيقات تكاد تكون سلطة النيابة العامة على الدعوى الجنائية مطلقة إلى حد كبير، إذ يمكن للنيابة أن تكتفي بمحاضر جمع الاستدلالات في إثبات الوقائع الجنائية أو تجري استجوابا للمتهمين ومواجهتهم بغيرهم، وما يحصله من أدلة وقرائن في إثبات ما يوجه إليهم من اتهامات.

واردف أن للنيابة سلطة القبض والتفتيش، ولها أن تأذن لمأمور الضبط القضائي بالقيام بأي من إجراءات التحقيق، وللنيابة إجراء المعاينات اللازمة وسماع الشهود، سواء شهود نفي أو إثبات، والاستعانة بأهل الخبرة في المسائل الفنية، وتشكيل لجان من المتخصصين، وتكليفهم بما تراه ضروريا لاستكمال عناصر التحقيق وقيام الدعوى العمومية.

واستطرد: «ومن سلطة النيابة العامة في تلك المرحلة أن تأمر بالقبض على المتهم وحبسه احتياطيا على ذمة الدعوى، ولها أن تفرج عنه بكفالة مالية أو بأي ضمان آخر تراه مناسبا أو تخلي سبيله بلا ضمان، وتأمر بصرفه من النيابة العامة».

وأفاد بأن المشرع لم يحدد أي سقف للكفالة المالية أو الضمان المالي، بل تركها للسلطة التقديرية للنيابة بما تراه مناسبا ومحققا الغرض في الدعوى المنظورة، وتبقى سلطة النيابة في تقدير هذا الضمان محل تقييم من قبل النائب العام.

وزاد: «لا أحبذ أن يقحم المشرع نفسه في هذه المسألة، ويضع أسقفا عليا ودنيا للكفالات المالية، بل يتركها للسلطة التقديرية والنزاهة التي يتمتع بها شخص وكيل النائب العام المطلع والمتابع لكل مفردات القضية، والقادر على تحديد قيمة الضمان المالي المناسب».

وذكر أن النيابة العامة قد تحفظ أوراق الدعوى العامة أو تصدر أمرا بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى، كما لها أن تحيل المتهم إلى المحكمة المختصة طلبا لمعاقبته، لافتا إلى أن دور النيابة ينحصر في المحاكمة بمجرد إعلان المتهم بإحالته إلى المحاكمة الجنائية، وتحديد جلسة لذلك، فتصبح الدعوى والمتهمون شأنا من شؤون المحكمة صاحبة السلطة والسيادة في تلك المرحلة.

من جانبه، أكد رئيس نقابة المحامين الكويتية خالد الكندري ان القانون حدد شروط الحبس الاحتياطي، ولا توجد ضرورة لإصدار قانون يحدد الكفالة، لكن الضرورة تتطلب ان يصدر تشريع يجيز لمن تضرر من امر الحبس الاحتياطي، وبعد صدور حكم البراءة ان يرجع بالتعويض على الجهة التي اصدرت قرار الحبس بحقه حتى تكون قرارات الحبس مبنية على ادلة قاطعة بثبوت التهمة، ولا يكون الحبس وحجز حريات الاشخاص عرضة لقرارات فردية غير مدروسة، والادلة على ذلك كثيرة لاشخاص تم حجزهم وحبس حرياتهم ومنعهم من السفر، وانتهت المحاكم الى عدم ثبوت الادلة بحقهم وبراءتهم منها، وهذا الامر متعارف عليه بكل الدول المتقدمة.