اعتبر رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، هانئ رسلان، أن الخطأ الجوهري الذي يكتنف التعاطي المصري مع أزمة إنشاء إثيوبيا لسد النهضة، يكمن في التعامل معها كمشكلة فنية أو هندسية، معتبراً أن أديس أبابا استغلت تفكك الجبهة الداخلية بعد الثورة المصرية وتجرأت أكثر على مصالح المصريين. وأشار رسلان، في حوار مع «الجريدة»، إلى أن موافقة البرلمان الإثيوبي بالإجماع على اتفاقية «عنتيبي» سيزيد تعقيد الأزمة... وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
• كيف ترى التعامل المصري مع أزمة سد النهضة؟- الخطأ الجوهري في تعاطي الجانب المصري مع أزمة سد النهضة، يكمن في اعتبارها مشكلة فنية وهندسية بحتة، وهذه رؤية ضيقة، في حين أن المشكلة ذات أبعاد سياسية واستراتيجية وليست تنموية أو فنية فقط، وهو ما يحتم معالجة القضية في ضوء هذه الأبعاد.• يرى البعض أن «أزمة مياه النيل من تركة نظام مبارك والإخوان غير مسؤولين عنها»؟- أزمة المياه في حوض النيل جذورها قديمة، منذ أعلن الرئيس التنزاني الأسبق جولويوس نيريري، مبدأه في رفض الاتفاقيات التي وُقعت في عهد الاستعمار عام 1964، وكانت هناك صور عديدة توضح وجود خلاف، لكن ذلك لم يتحول إلى أزمة وإلى تهديد حقيقي لمصر، إلا مع اقتراب انتهاء مفاوضات مبادرة حوض النيل المشتركة عام 2009، وهذا ينطبق على أزمة السدود الإثيوبية على النيل الأزرق التي وُضعت تصميماتها الأولى في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، ويبقى القول إن أزمة اتفاقية عنتيبي تشكل وضعاً غير مريح لمصر، أما مصدر الخطورة الحقيقي فيكمن في السدود الإثيوبية، وإثيوبيا لم تجرؤ على بدء تشييدها إلا بعد ثورة يناير 2011 لاستغلال الارتباك والتفكك الداخلي في مصر.• ما تقييمك للحوار الذي دعا إليه الرئيس مرسي لحل الأزمة وتم بثه على الهواء مباشرة؟- من حيث الشكل فإذاعة الحوار المرتبط بقضية تمس صميم الأمن القومي لا يمكن وصفه بأقل من كونه «فضيحة» تستوجب إقالة مساعدة الرئيس، باكينام الشرقاوي، وفيما يخص المضمون فإن التداعيات السلبية لمحتواه ستمتد طويلاً، ويمكن القول إن هذا الحوار سوف يساعد على تقوية الموقف الإثيوبي الذي سوف يتخذ مواقف متشددة في المفاوضات بزعم أنه يرفض التهديدات المصرية، وأن هذا يعني المساس بكرامة الشعب الإثيوبي، كما أتوقع زيادة تعقد المشكلات التي تواجه مصر في هذا السياق، وبخاصة بعد موافقة البرلمان الإثيوبي (أمس) على اتفاقية عنتيبي، التي تنهي الحصص التاريخية لدولتي المصب من مياه النيل، إلى جانب أن الدور المصري في إفريقيا لن يكون مقبولاً، وإصلاح الضرر سيستغرق جهوداً مضنية وسنوات طويلة.• إلى أي مدى ترى تأثير الدور الإسرائيلي في ملف حوض النيل؟- الدور الإسرائيلي موجود ومؤثر في إثيوبيا وأوغندا وكينيا وجنوب السودان، وكل هذه الدول ذات تأثير في مسار ومستقبل أزمة المياه في حوض النيل، الدور الإسرائيلي يقوم بالتحريض وتقديم المساعدات في المشورة الفنية والدبلوماسية والدعم الاستخباري، فإسرائيل لها مصلحة في تصعيد وتعقيد الأزمة لتحقيق هدفين، الأول أن تبقى مصر تدور حول نفسها في مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لإضعافها وإفساح المجال أمام إسرائيل لتعبث حيثما شاءت في المنطقة، والهدف الثاني هو دفع المسألة إلى الحد الذي يصل إلى إجبار مصر على الموافقة على تقليص حصتها من مياه النيل.• برأيك هل تسهم جهود الدبلوماسية الشعبية في حل الأزمة؟- أعتقد أن هذه المبادرات يجب أن تقتصر على تشجيع التعاون وتعزيز أواصر الإخوة والمصالح المشتركة دون التطرق لقضايا المياه، وترك ذلك للجهات الرسمية المختصة.• ما المخاطر المتوقعة على حصة مصر بعد تدشين سد النهضة؟- بحسب دراسات المتخصصين في المياه، فإن مقدار العجز المتوقع أثناء فترة ملء السد، تتراوح بين 11 مليار م3، و19 مليار م3، وذلك طوال فترة الملء، التي تمتد إلى 6 سنوات، وسوف يصاحب هذا العجز نقص في إنتاج الطاقة الكهرومائية من السد العالي، في حدود 40 في المئة لمدة 6 سنوات أيضاً، كما أن كل 4 مليارات متر مكعب عجز من مياه النيل سيؤدي إلى بوار مليون فدان زراعي، وتشريد مليوني أسرة، وفقد 12 في المئة من الإنتاج الزراعي وزيادة الفجوة الغذائية بمقدار المنخفض من هذا الإنتاج، ما يستلزم مزيداً من استيراد الغذاء لسد هذه الفجوة.• لكن المسؤولين الإثيوبيين يصرحون دائماً أنهم لا يمكنهم الإضرار بمصالح الشعب المصري؟- هذا صحيح، ولكن إذا كان صادقاً فعلى أديس أبابا الاعتراف بحصة مصر الحالية من المياه وتبتعد عن المراوغة، لأن إثيوبيا تعتبر أن حصة القاهرة العادلة 40 مليار متر مكعب، وليست 55 مليار متر مكعب كما تعتقد القاهرة، وطبقاً لما يقول الإثيوبيون فإن أي نقص في حصة مصر حتى تصل إلى 40 مليارا لا يعد ضرراً.
دوليات
رئيس «وحدة النيل» لـ الجريدة•: إثيوبيا استغلت تفكك مصر
14-06-2013