حفلت الدورة السادسة عشرة لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة (4 ـ 9 يونيو 2013)، بعيداً عن المشاكل التي صاحبت العروض، من انقطاع للتيار الكهربائي وتراجع نسبة الإقبال الجماهيري إلى درجة غير مسبوقة، بعدد من أفلام تسجيلية وروائية قصيرة تبشر بمستقبل طيب، وتنبئ بأن ثمة مواهب شابة تُعلن عن نفسها، دونما التوقف كثيراً عند فوز أصحابها بجوائز لجنتي تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية ومسابقة الأفلام القصيرة والتحريك من عدمه!

Ad

أول الأفلام التي تستحق التنويه حمل عنوان «ليبيدو» (15 دقيقة/ 2012)، وهو فيلم تسجيلي قصير من إخراج يوسف الإمام، الذي درس في المعهد العالي للسينما في مصر، واقتحم منطقة شائكة وملغومة، تتعلق بقضية «الكبت الجنسي» الذي يعانيه الشباب، من الذكور والإناث؛ ففي تعريفه لكلمة «ليبيدو» قال المخرج إنها «الطاقة الجنسية»، التي يعجز الشباب عن تفريغها أو توظيفها بالشكل الصحيح؛ نتيجة رفض المجتمع مبدأ الاقتراب من هذه القضية، من باب الرضوخ للعادات والتقاليد التي ترى أن الحديث عن الجنس «عيب» و»حرام»، بينما يرى الفيلم، الذي أفلت من فخ الدعاية المباشرة والتوعية السخيفة، أن الثقافة الجنسية وسيلة ناجعة للوصول إلى الأهداف، التي تضيع في أحايين كثيرة نتيجة الهوس الجنسي أو الإفراط المبالغ فيه بالبحث عن طريقة للتنفيس عن الطاقة الجنسية!

فيلم آخر حظي بإعجاب الكافة حمل عنوان «ورا الباب» (21 دقيقة/ 2012) وأخرجه أدهم الشريف ابن المعهد العالي للسينما، الذي نوهنا في هذه الزاوية سابقاً إلى تجربته الرائعة في الفيلم التسجيلي «أحد سكان المدينة»، الذي يروي سيرة حياة كلب ضال. لكنه قدم في فيلمه الروائي القصير الجديد رؤية أخرى ناضجة وواعية حذر فيها من خطورة تكريس نزعة الخوف لدى الأطفال (مستقبل الأمم) من خلال أم تُربي طفلها على كم من المحظورات والتابوهات والنواهي التي تجعل منه فأراً مذعوراً لا يُقدم على اتخاذ قرار من أي نوع، لكن الطفل يُغادر المصيدة ويحطم أغلاله المعنوية، ويُعلن رفضه للتحذيرات المتكررة وتمرده على محاولات زرع الخوف في داخله.

 «بورتريه شخصي» (7 دقائق/ 2013) فيلم تسجيلي قصير من إنتاج عليا أيمن وإخراجها، وهي رسمت، كما يقول عنوان الفيلم، «بورتريه» ذاتياً عرضت من خلاله لأفكارها الليبرالية عن الجنس والثقافة والمحرمات، حسب الموروث المجتمعي والتناقضات الشخصية التي وقعت فيها، نتيجة نشأتها في كنف عائلة متشددة دينياً، ودراستها في الجامعة الأميركية التي جعلت البعض ينظر إليها بوصفها ربيبة «الاستعمار الثقافي»، وإلى جسدها بأنه «حرام» وإلى شكلها بأنه «غريب»، ربما لأنها مُصرة على ألا ترتدي الحجاب، الأمر الذي جعلها تشعر بالراحة في شوارع أميركا بأكثر مما تجدها في بلدها مصر، حسب تأكيدها، وتؤمن أنها «خليط ثقافي غريب». ولفرط الإعجاب برؤية «عليا» منحت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة والقصيرة جائزتها لفيلم «بورتريه شخصي».  

لم يخل الحدث من اجتهادات ملحوظة، سواء في اللغة السينمائية أو الرؤية الفكرية، كما رأينا في الفيلم الروائي القصير «زكريا» (14 دقيقة/ 2012) الذي استلهم مخرجه عماد ماهر أحداثه من «أحلام فترة النقاهة» للكاتب الكبير نجيب محفوظ (شاب ممنوع بتعليمات الأطباء من تناول الدجاج وإلا تعرض للموت ويلتزم بتنفيذ الأوامر حرفياً لكنه يموت) غير أن المخرج تعامل مع القضية بجدية لا تُحتمل، وتخلى عن الطرافة فيها فاتسم الفيلم بشيء من التجهم والكثير من العبوس!

ينطبق الأمر نفسه على فيلم التحريك «اسكتشاتي بتاكلني» (3 دقائق/ 2012) إخراج نور أبيض؛ ففكرة الفيلم العبقرية (فنان شاب تتملكه الحيرة في العثور على فكرة «اسكتش» جديد، ومع توالي الوقت وكثرة الأوراق الممزقة، يجد نفسه غارقاً في كومة الأفكار المرفوضة التي ابتلعته) تتعرض لإساءة بالغة بفعل العنوان غير اللائق للفيلم، والذي يُنظر إليه في الشارع المصري بوصفه خادشاً للحياء، بينما يطرح الفيلم مضموناً غاية في الطرافة وخفة الظل!

اختتمت الدورة السادسة عشرة لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة أعمالها، ولم يكن أكثر الناس تفاؤلاً يتصور أنها ستنطلق أو تفتح أبوابها، في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها مصر، ومع خروج الدورة إلى بر الأمان تجدد الأمل في جيل واعد قدم نفسه، وكشف عن موهبته، وطمأننا جميعاً على أن مستقبلاً جميلاً ينتظرنا.. ويبتسم في وجوهنا.