أميركا ليست تدويلاً
هل يحق لأميركا انتقاد ممارسات دول أخرى وسجلها في حقوق الإنسان؟ أو هل يحق لأي دولة مهما كان حجمها انتقاد دولة أخرى بسبب انتهاكاتها ضد مواطنيها أو غير مواطنيها؟ وهل تعتبر تلك الانتقادات الصادرة من أميركا أو من أي دولة ضد أي دولة أخرى تدويلاً للقضية، أم أنها لا تعدو كونها جزءاً من ممارسات سياسية عادية في إطار المسار التقليدي للعلاقات الدولية؟ما يفترض أن يكون تدويلاً مشروعاً، بغض النظر عن الملاحظات على تلك المشروعية، هو ما يتم تداوله داخل أروقة الأمم المتحدة وضمن مؤسساتها واتفاقياتها، أما ما تقوله الولايات المتحدة فيظل في إطاره الخاص بالرؤية الأميركية فحسب، وهو قد يحمل وزناً دولياً فقط بقدر ارتباطه بالمرجعية الدولية لحقوق الإنسان على سبيل المثال. وبالضرورة فليس كل ما تقول به أميركا أو غيرها قابلاً للتدويل في الأمم المتحدة، والأمثلة على ذلك كثيرة، ربما كان أبرزها تصويت غالبية أعضاء الأمم المتحدة لصالح رفع مستوى تمثيل دولة فلسطين بصرف النظر عن المعارضة الأميركية الشرسة لذلك القرار.
وربما ينطبق ذات الأمر على غزو أميركا للعراق في 2003، والذي لم تنجح الولايات المتحدة في إقناع المجتمع الدولي بشرعنته وإعطائه الغطاء الأممي بموجب الفصل السابع، فما لبثت أميركا أن عادت بعد ثلاثة أشهر من غزوها للعراق لكي تتفاوض مجدداً مع مجلس الأمن، ليوافق على إعطائها صفة دولة محتلة، تنطبق عليها مبادئ اتفاقية جنيف الرابعة والقانون الدولي الإنساني بشكل عام.هناك تداخل كبير بين التدويل الأممي والتدويل الأميركي، وهناك خلط ملحوظ بين الاثنين، ويعود ذلك إلى أن أميركا الدولة العظمى الوحيدة منذ أن غادر الاتحاد السوفياتي الحلبة الدولية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. هذا التداخل يحتاج إلى شيء من التفكيك لكي نفهمه، ولكي لا نبني عليه افتراضات واهية أوهى من بيت العنكبوت. كان ذلك واضحاً مؤخراً في تصريح وزارة الخارجية الأميركية وانتقادها لملاحقات الحكومة الكويتية للمتوِّتين (المغردين)، وما تلا ذلك من توضيح أدلى به السفير الأميركي بالكويت للتخفيف من تداعيات تصريحات الخارجية الأميركية، فما هي الصورة الحقيقية؟ وللحديث بقية.