بات مسار تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة والتوازنات التي ستحكم تركيبتها مرتبطا اليوم أكثر من أي يوم مضى بما تشهده دول المنطقة المحيطة بلبنان من تطورات ومتغيرات من شأنها أن تبدل الكثير من الاستراتيجيات والتكتيكات التي تتبعها إدارات وقوى إقليمية ودولية فاعلة ومؤثرة.
ويرى المراقبون أن شبكة من أنظمة الحكم والمسؤولين السياسيين في الدول العربية مرشحة للصعود في غضون الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة على حساب منظومة أخرى تراجع دورها أو غابت عن الساحة خلال الشهر الماضي. وبحسب المعلومات التي يتم تداولها في كثير من مطابخ القرار اللبناني فإن دول مجلس التعاون الخليجي بزعامة كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تسعى الى استعادة زمام المبادرة الإقليمية ورعاية «الثورات»، لا سيما منها في مصر وسورية ولبنان وفلسطين بعد تراجع دور الثنائي القطري - التركي، بفعل نجاح خصوم الإخوان المسلمين العرب في تغيير رأي الإدارة الأميركية التي كانت حتى الأمس القريب لا تمانع في مسايرة وجهة النظر التركية - القطرية القائلة بقدرة الإخوان المسلمين على الجمع بين تولي السلطة كبديل عن الأنظمة المستهدفة بالثورات العربية من جهة، وبين الحفاظ على المصالح الأوروبية والغربية وعلى استقرار دول الخليج من جهة مقابلة. وتلفت جهات دبلوماسية عربية واسعة الإطلاع في بيروت إلى أن تركيا وقطر ارتكبتا خطأ فادحا في عدم كبح جماح الإخوان المسلمين وسعيهم الى الانفلاش خارج حدود مصر وليبيا وتونس، وتشجيعهم على الحركة الأمنية والاستخباراتية في الإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة العربية السعودية، ومحاولة تغليب التيار الإسلامي على التيار العلماني في الثورة السورية، والمساهمة في ضرب الاعتدال السني المتمثل بتيار المستقبل في لبنان من خلال تمويل ورعاية مجموعات مسلحة سنية أصولية. وقد دفع «الخطأ» التركي – القطري المذكور بالقيادتين السعودية والإماراتية الى اتخاذ موقف حاسم تم إبلاغه الى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية ويقضي بالتصدي للإخوان المسلمين ومنعهم من بناء قوة نفوذ تتمدد الى دول الخليج العربي وإلى الشرق الأوسط، وتحديدا باتجاه الأردن وسورية ولبنان والأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي هذا الإطار برز الدور الإماراتي - السعودي الرائد في رعاية الثورة المصرية على الرئيس المخلوع محمد مرسي في موازاة انتقال السلطة في قطر من الأمير حمد إلى الأمير تميم، والإرباك الذي عاناه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان نتيجة للتظاهرات الصاخبة التي واجهها خلال الأسابيع الماضية. وقد سارعت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الى مد يد العون المالي بمليارات الدولارات الى السلطة المصرية الجديدة كترجمة لرغبتها في رعاية الاعتدال العربي. وترافق الدعم المالي الكبير لمصر مع تغييرات جذرية في التركيبة القيادية للثورة السورية لا سيما من خلال انتخاب أحمد جربا المعروف بقربه من دول مجلس التعاون الخليجي رئيسا جديدا للائتلاف الوطني السوري بعد طول خلافات حالت دون انتخاب رئيس أصيل، ومن خلال استقالة الرئيس المكلف بتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة في سورية غسان هيتو بعد أربعة أشهر على تكليفه بدعم قطري - تركي. وانطلاقاً من هذه الصورة للتطورات والمستجدات الإقليمية يرى المراقبون ان تشكيل الحكومة اللبنانية سيتأثر بالمعطيات المذكورة. فـ»قوى 14 آذار» تسعى الى الاستفادة من سعي المملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين الى استعادة زمام المبادرة لتشكيل حكومة تحاكي موازين القوى الجديدة، وتساهم في تعزيزها وتثبيتها من خلال الحؤول دون قيام تشكيلة حكومية تؤمن الغطاء لحزب الله والسياستين السورية والإيرانية في لبنان والمنطقة. وفي المقابل، فإن حزب الله وحلفاءه يسعون الى الحد من الاندفاعة الخليجية ووقفها عند الحدود اللبنانية، من خلال محاولة فرض شروط الحزب على الحكومة الجديدة، أو الإبقاء على الوضع الحالي في أسوأ الاحتمالات. أما النتيجة فتحتاج إلى مزيد من الوقت لبلورة المواقف. فالهجوم الخليجي المضاد لا يزال في بداياته وهو لا يزال يحتاج الى اندفاعة أقوى ليلقى صداه في لبنان... والدفاع السوري – الإيراني من خلال حزب الله وحلفائه اللبنانيين لا يزال يملك الكثير من مقومات القوة التي تسمح له بمزيد من المناورات، وبخوض قتال سياسي تراجعي بطيء على أمل ظروف تسمح باحتواء الهجمة الخليجية تمهيدا للانقضاض عليها وعلى حلفائها اللبنانيين.
دوليات
الحكومة اللبنانية الجديدة على نار المتغيرات الإقليمية
16-07-2013