خالد عبدالكريم جمعة ترك إرثاً منوعاً في النشر والتأليف
رحل صاحب مكتبة «دار العروبة» بعد معاناة مع المرض
فقدت الساحة الثقافية في الكويت أحد الأدباء الذين قدموا نتاجاً إبداعياً منوعاً في ميادين مختلفة.
فقدت الساحة الثقافية في الكويت أحد الأدباء الذين قدموا نتاجاً إبداعياً منوعاً في ميادين مختلفة.
تُوفي الدكتور خالد عبدالكريم جمعة أمس السبت، وبوفاته فقد المشهد الثقافي والحقل الأكاديمي واحدا من أبرز الأدباء الذين عملوا بصمت في مجالات النشر والتدريس والتأليف.وبهذه المناسبة الأليمة، يتقدم قسم الثقافة في «الجريدة» إلى أسرة الراحل بخالص العزاء والمواساة، راجياً من الله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
وتفاعلاً مع الحدث، أبّنت رابطة الأدباء الكويتيين الأديب الراحل، مقدمة التعازي إلى أسرة الفقيدة.رحل صاحب مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع الدكتور خالد عبدالكريم جمعة عن الدنيا، تاركاً إرثاً ثقافيا كبيراً من مؤلفاته الأكاديمية المتخصصة في الأدب، ودار نشر أعاد افتتاحها قبل فترة وجيزة عقب حادث الحريق الذي التهم محتواها وأتلف أرجاءها.غادرنا الناشر والمعلم والأكاديمي بعد رحلة معاناة مع المرض الذي أوهن قلبه لكنه لم يثبط من عزيمته في مواصلة مشواره في النشر، متسلحاً بعزيمة كبيرة دفعته إلى التغلب على الصعاب ومواجهة العقبات وتجاوزها بكل هدوء بلا ضجيج أو صراخ.صداقة الكتابولد الراحل في عام 1946 في الكويت، وعرف بشغفه بالقراءة منذ الصغر فعقد صداقة وثيقة مع الكتاب، مقتطعاً جزءا من مصروفه اليومي لشراء كتاب أو مجلة، ومع امتداد الأعوام بدأت هذه العلاقة تتوطد بقراءة بعض الكتب الأدبية الرائجة في تلك فترة الخمسينيات من القرن الماضي، وعقب إتمام دراسته الثانوية قرر دراسته اللغة العربية، ثم حصل على شهادة الدكتوراه في الأدب «لغة عربية نحو وصرف» من جامعة القاهرة في العام 1980، وكان الراحل عضواً في هيئة التدريس بكلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة الكويت، كما انتسب إلى جمعيات وروابط أدبية داخل الكويت وخارجها، منها رابطة الأدباء الكويتيين، وكذلك مجمع اللغة العربية بدمشق، ومعهد المخطوطات العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وعمل مستشاراً للتراث العربي في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.إصداراتهومن مؤلفاته، كتاب «شواهد الشعر في كتاب سيبويه» الصادر عن مكتبة دار العروبة، وتقرير عن أوضاع المخطوطات العربية في نيجيريا «مراجعة واختصار»، وكذلك دراسة مكونة من جزأين عن شرح المقدمة المحسنة لطاهر بن أحمد باشاذ، كما قدّم الراحل مجموعة إصدارات بالاشتراك مع مؤلف آخر، منها «بسط الكف في إتمام الصف» للسيوطي و»إتمام النعمة في اختصاص الإسلام بهذه الأمة» للسيوطي، و» فضل موت الأولاد» للسيوطي. حريقوفي الصيف الماضي تسبب تماس كهربائي بحريق مكتبة العروبة أتلف أكثر من 15 ألف كتاب، وحينها روى الدكتور خالد عبد الكريم إلى «الجريدة» تفاصيل الحادثة، مؤكداً أن معظم محتويات المكتبة تضررت بشكل كبير، والكتب التي لم تأكلها ألسنة النيران أتلفها الدخان والرماد، مبيناً أن قائمة الأضرار اتسعت وشملت أرفف المكتبة وديكوراتها وأجهزة التكييف ومحتوياتها الأخرى، معتبراً ان الحريق كان بسبب تماس كهربائي في أحد أجهزة التكييف أدى إلى هذا الحريق الذي اندلع في فترة تناول وجبة الإفطار أثناء شهر رمضان الماضي.وعلى اثر هذه الحادثة، قدم سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك دعماً مادياً لإعادة ترميم مكتبة العروبة ومزاولة دورها الثقافي المهم في النشر. وبدوره ثمن الراحل البادرة الكريمة لسمو مجلس الوزراء لرعاية الثقافة المحلية ودور النشر.ثقة الأدباءكان للفقيد إسهامات كثيرة في الصحف، إذ كتب مقالات منوعة تركز على الهموم الثقافية، كما أنه تولى مهمة رئيس تحرير مجلة البيان الصادرة عن رابطة الأدباء الكويتية لمدة عامين، واختير أميناً للصندوق، ثم خاض انتخابات رابطة الأدباء الكويتيين في عام 2011 مع قائمة التجديد وحظي بثقة الأدباء.تميّز الراحل بالرغبة في العمل وإصلاح الشأن الثقافي والتعليمي، متبعاً أسلوبا أكاديمياً في معالجة الأمور، رافضاً الحلول الترقيعية، داعياً إلى تطوير التعليم وتحصين المجتمع ضد الآفات المدمرة، محدداً أسباب التراجع الثقافي في الكويت إلى مجموعة مشكلات في مقدمتها انحدار مستوى التعليم وطغيان حب المال، وانتشار الفن الفاسد، وكثرة المحطات الفضائية التي تروج للأمور التافهة والغناء الرخيص.الرقابةارتبط عمله بالنشر والتعليم بممارسة دور الرقيب، إذ كان يرفض الرقابة المتشددة والرقابة السياسية، أي الرقابة الخاضعة للضغوط السياسية، مرحباً بالرقيب الواعي الحريص على الثقافة بكل أشكالها، مطالباً بمواصفات كثيرة لأعضاء لجنة الرقابة، مشترطاً أن يكون الرقباء من أهل الثقافة والخبرة حتى يكون المنع في أضيق الحدود وبعيداً عن الخوف الذي تسببه الضغوط السياسية.لم يكن جمعة يرفض الرقابة على النشر، بل يرى أن للرقابة فائدة في عصر النشر الإلكتروني، معتبراً أنه ليست كل المواقع قابلة لتصفحها، أما النشر الورقي، فقال عنه: «الكتاب مطروح للجميع في الأسواق والطرقات، ولذلك لابد وجود الرقابة، فمن واقع خبرتي في عالم الكتاب تكونت لدي قناعة ألا أكون من أعداء الرقابة».