الرابع من يوليو هو أكثر التواريخ بهجة في التقويم الأميركي، وهو في العادة مناسبة للاحتفال باستقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا. لكن هذا العام انقلب الأمر، ففي الوقت الذي أخذ فيه الأميركيون يوم العطلة، أعلن البنكان المركزيان في بريطانيا ومنطقة اليورو استقلالهما عن الولايات المتحدة.

Ad

استخدم البنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا اجتماع السياسة النقدية الشهري لتغيير ممارساتهما التي ظلت سائدة لسنوات طويلة، وأعلنا نواياهما بعيدة الأجل فيما يخص السياسة النقدية. وأشار كلا البنكين إلى أن أسعار الفائدة ستكون أدنى لفترة أطول مما توقع المستثمرون. ونتيجة لذلك أصيب الاسترليني واليورو بإخفاق تام، في حين قفزت الأسهم في بريطانيا ومنطقة اليورو.

وربما لا يبدو هذا ثورياً، لكنه كان ثورياً بالفعل. فالمسؤولون في البنوك المركزية يحبون إبقاء الأسواق في حالة تخمين، ويكرهون إلزام أنفسهم مقدماً.

وشعر البنكان بأنهما ملزمان بالاستجابة للأحداث التي وقعت قبل أسبوعين. ففي ذلك الحين أعلن بن برنانكي، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، عن جدول زمني للانسحاب التدريجي من برنامج التحفيز الذين يحقن الأموال في الاقتصاد الأميركي. وذهل السوق من إشارته إلى أن التحفيز يمكن أن ينتهي تماماً في فترة قريبة يمكن أن تكون منتصف السنة المقبلة.

تقرير الوظائف

 

وما ساعد على إيصال الرسالة هو تقرير الوظائف الأميركية الصادر يوم الجمعة، الذي كشف عن أن سوق العمل الأميركية مستمرة في إظهار تحسن متزايد بصورة يسيرة تفوق توقعات الكثيرين. وعلى الرغم من الضعف الكبير المتواصل في الاقتصاد الأميركي، فإن استمرار سوق العمل في التحسن على هذا النحو يجعل من المحتمل أن ينتهي برنامج التحفيز من الاحتياطي الفدرالي في العام المقبل.

واستجابة لذلك تحركت العوائد على السندات إلى الأعلى بصورة حادة في مختلف أنحاء العالم. وربما كانت هذه نية برنانكي إلى حد كبير، حتى مع أن زملاءه في البنك قللوا بعد ذلك من ملاحظاته.

والأمر الذي لا شك فيه الآن هو أن السوق ذهب بعيداً تماماً وراء أي شيء يمكن أن يتحمله بنك إنكلترا أو البنك المركزي الأوروبي.

ولموازنة ارتفاع أسعار الفائدة، قال البنك المركزي الأوروبي إنه «يتوقع أن تظل أسعار الفائدة الرئيسية في الوقت الحاضر عند مستويات أدنى لفترة طويلة من الزمن»، في حين قال مارك كارني، المحافظ الجديد لبنك إنكلترا: «إن الارتفاع المتضمن» في أسعار الفائدة في المستقل «لا داعي له بحسب التطورات الأخيرة في الاقتصاد المحلي». بعبارة أخرى، حدد السوق العوائد على سندات الخزانة البريطانية عند مستويات عالية فوق الحد.

شراء السندات

ونتيجة لذلك، ورغم أن الاحتياطي الفدرالي لايزال يشتري السندات، وفي حين أن الميزانية العمومية للمركزي الأوروبي في حالة تقلص، إلا أن العوائد الإضافية على السندات الألمانية مقارنة بسندات الخزانة الأميركية وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ الأزمة.

وهنا يوجد نوع من المفارقة. ففي حين أطلق الاحتياطي الفدرالي برنامجه لشراء السندات في أوائل 2009 – وهو على ما يقال شكل من طبع العملة – اشتكت بقية العالم من أنها داخلة في «حروب عملات». وأدت أسعار الفائدة المتدنية إلى تراجع الدولار، وتراجع أسعار الصادرات الأميركية. وكانت استجابة البلدان الأخرى هي تخفيض أسعار الفائدة. ومن الناحية العملية صدَّر الاحتياطي الفيدرالي أسعاره المتدنية إلى الخارج. والآن أصبحت المشكلة معكوسة. فالاحتياطي الفيدرالي يصَدِّر أسعار الفائدة العالية، واضطر البنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا إلى التساهل أكثر من ذي قبل. وهناك رهان مأمون للخروج من هذا الوضع، وهو الضعف الطويل الأمد في الاسترليني واليورو، اللذين وصلا بالفعل إلى منطقة قريبة من مستوياتهما الدنيا لهذا العام. وحين تبدو البنوك المركزية أكثر تساهلاً بكثير من الاحتياطي الفدرالي، فليس من شأن هذا إلا إضعافها في مقابل الدولار.

ويوجد رهان ثان أقل أمنا إلى حد ما، وهو على الأسهم الأوروبية. فالأموال السهلة تذهب إلى الأسهم، وهذه الإعلانات تدعم أسواق الأسهم التي تعاني في أوروبا من فقر الدم. لكن هناك شروط. في بريطانيا الخوف العظيم هو سوق الإسكان الذي يميل إلى الفقاعة. وحين يضاف التحفيز في الوقت الذي تكون فيه أسعار المساكن مرتفعة أصلاً – وصلت إلى مستويات متطرفة في لندن، إن لم يكن في بقية بريطانيا – فإن هذه في الواقع فكرة سيئة، فالاقتصاد الضعيف وفقاعة الإسكان لا ينسجمان معاً.

وفي منطقة اليورو القضية هي حل أزمة السندات السيادية التي ظلت في تراجع منذ أن وعد البنك المركزي الأوروبي في يوليو الماضي ببذل «كل ما يلزم» لإنقاذ اليورو، لكن هذا الوعد لا يحل قضيتين حرجتين. الأولى هي أن البنوك تقتني كميات ضخمة من سندات حكوماتها. وينبغي قطع هذه الصلة من خلال الاتفاق على طرق لإنقاذ البنوك على نحو لا يضع الضغط على المالية العامة. وهذا يعني ضمناً خسارة لدائني البنوك. ومهمة المفاوضات المؤدية إلى «الاتحاد المصرفي» هي حل هذا الإشكال، وهي مفاوضات مضنية.

خسارة السيادة

والقضية الأخرى هي ضرورة أن تقنتع الأسواق بأن سندات بلد ما في منطقة اليورو هي جيدة بمثل جودة سندات أي بلد آخر. وهذا يعني أنه لا بد أن تكون البلدان مستعدة لمساندة بعضها بعضاً، بحيث تفتح آفاق الإنفاق لبلدان مثل ألمانيا، وخسارة السيادة للبلدان التي يمكن أن تحتاج إلى المساعدة، مثل البرتغال. وهذه مشكلة سياسية حادة.

وثبت هذا الأسبوع أن البنك المركزي الأوروبي لايزال بمقدوره تهدئة هذه المخاوف. فقد وقعت أزمة سياسية في البرتغال شككت في بقاء حكومة الائتلاف وبقاء برنامجها التقشفي، لكن خسائر سوق الأسهم بسبب الأزمة عُكِست بعد أن تحدث البنك المركزي الأوروبي. وفي حين أن الأسهم الأوروبية تتمتع بمساندة من بنوكها المركزية، فإن المراهنة ضدها تعتبر فكرة سيئة. لكن على الأمد الطويل، الأسباب الداعية للقلق حول منطقة اليورو وبريطانيا ليست في سبيلها إلى الاختفاء. وحقيقة أنها تعيش في عالم واحد مع احتياطي فدرالي يتحدث عن رفع أسعار الفائدة ليس من شأنها إلا أن تزيد من المخاطر.

*(فايننشال تايمز)