من منا لا يتذكر هذا النداء "هنا القاهرة"؟ من منا لم يستهوه نداء "صوت العرب من القاهرة"؟ وتدور الأيام ويأتي اليوم الذي نرى فيه القاهرة وهي تُحرق لا بيد أعدائها بل بأيدى أبنائها, والواقع أني لم أنوِ الكتابة عن الأحداث التي تدور في مصر، فكما يقال "أهل مكة أدرى بشعابها"، وأهل مصر أدرى بما يدور فيها، فهو بالتأكيد شأن داخلي وإن كانت تأثيراته تتجاوز حدودها.

Ad

لكن ما دفعني إلى الكتابة تلك المناظر التي شاهدناها عبر الفضائيات من حرق وتدمير واقتتال بين أبناء مصر، هل يعقل أن يحدث هذا في قاهرة الظاهر بيبرس ومحمود قطز؟ أهذه مصر التي صدت أمواج التتار والمغول؟ أهذه قاهرة الأزهر الشريف الذي حمل مشعل النور والتحرير وقيادة المقاومة الشعبية على مدى عقود من السنين؟ أهذه قاهرة جمال عبدالناصر الذي قام "باسم الأمة بتأميم قناة السويس شركة مصرية" بقرار هز العالم؟

هل يعقل أن يقوم المواطن المصري بقتل الجندي المصري الذي سطر ملاحم البطولة في معركة العبور، وحطم خط بارليف الأسطوري؟ أين مصر طه حسين والعقاد وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم؟ أين مصر أم كلثوم والأطلال وعبدالوهاب والنيل الخالد...؟ وأين... وأين؟ وقائمة من العمالقة والأعمال الخالدة؟ واليوم نرى مصر تضيع بين زحام الملايين الزاحفة مع أو ضد.

ونداء من الكويت الغالية وأهلها إلى مصر العزيزة وأهلها، فلا يمكن أن ننسى مصر التي هبت بكل أطيافها للوقوف مع الكويت في محنة الغزو والاحتلال, إن أمن مصر واستقرارها هو أمن وأمان للأمة العربية بأسرها, مصر أكبر من أشخاص أو أحزاب أو منظمات.

 ثم سؤال ألح على البال والخاطر: ما الذي يحدث في أكبر وأعرق ثلاث عواصم عربية القاهرة, ودمشق, وبغداد؟ لا أدرى لماذا ولكن يساورني شك أقرب إلى الإيمان بأن ذلك لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة مخطط شيطاني طويل المدى بدأ منذ عقود باتفاقات متعددة الأطراف والأهداف, لعل الأيام والتاريخ يكشفان لنا ذلك.

 فهل يعقل أن نرى بعض أبناء فلسطين من يحمل السلاح ليقتل ذلك الجندي المصري الذي تحمل الكثير من أجل فلسطين، ودخل الحروب من أجلها وعلى مدى أكثر من نصف قرن، فيأتي اليوم الذي يقتل فيه بيد بعض أبناء فلسطين؟!

وهنا بودي أن أضيف فقرة من مقال لي نشر في هذه "الجريدة" بتاريخ 14/2/1013 ننقله بتصرف واختصار: "هل يمكن الجمع بين السلطة الدينية والدنيوية في نظام حكم واحد, وفي اعتقادي أن ذلك مستحيل ولم يحدث إلا في زمن الأنبياء والمرسلين, حتى في أوروبا المسيحية لم يتمكن أي حكم من ذلك، ومثال على ذلك فرنسا التي استفحل فيها حكم الكنيسة، فغدت تسيطر على أكثر من عشرة في المئة من أراضي الجمهورية، وأعفت نفسها من دفع الضرائب في حين قامت بفرضها على الشعب؛ مما أدى بالضرورة إلى زيادة الاستياء، وقيام ثورة عام 1789، أو ما يسمى بأم الثورات، وقد كان رد فعل الحركة الراديكالية عنيفاً، حيث طالبت بإعدام القساوسة والرهبان.

ثم هناك حقيقة ساطعة، فالثورة الصناعية والاختراعات الحديثة ما كانت لتتم إلا بعد فصل السياسة عن الدين الذي يحرم رجاله كل جديد، دعاؤنا إلى الله أن يحفظ مصر وأهلها من كل سوء ومكروه.

 والدعاء دائما إلى الله أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.