بعد مرور أكثر من 4 أعوام على بداية الازمة المالية العالمية، ووصول تداعياتها إلى السوق الكويتي، بدأت بعض الشركات أخيرا التخارج من بعض الأصول التابعة لها، لأسباب متفرقة ومختلفة، خصوصا بعد أن لجأت طوال سنوات الأزمة إلى تكوين مخصصات مالية بمقدار خسارتها، إضافة إلى التفاوض مع الدائنين لحل أزمة الالتزامات المالية الموجودة على تلك الشركات، وحاولت تخفيضها أو تأجيلها عبر تمديد أجل سدادها، أو بطرق أخرى تضمنت استبدال الديون بأسهم في الشركة المدينة نفسها، وغيرها من الآليات المتنوعة.

Ad

وحتى الآن، لم تكن عمليات اندماج الشركات المتعثرة أو تصفية بعضها على مستوى الحدث، فهناك العديد من الشركات، خصوصا الاستثمارية منها، مازالت إداراتها "تكابر" على نفسها وعلى مساهميها بالاعتراف بخطورة الوضع.

وتراهن تلك الشركات على "الوقت" ليساهم في مساعدتها في وضعها الحالي، إما بارتفاع أسعار الأصول أو بعودة النشاط لسوق الكويت للأوراق المالية، الذي يطالب العديد بتدخل الحكومة لإنعاشه، أو حتى بتساهل إضافي من الدائنين ومنحهم مزيداً من الوقت لسداد الالتزامات، كما أن الإجراءات الحكومية من الجهات الرقابية لم تتعد إيقاف بعض الأسهم عن التداول في البورصة.

ومن الطبيعي والمنطقي أن تفشل الشركات في سداد أصل الدين المستحق عليها إضافة إلى فائدته، فكما هو معروف كلما زادت مدة القرض زادت فوائده، وبالتالي فإن البنوك الدائنة ليست مستعدة لتكوين مخصصات مجدداً ولنفس الشركة، بعد أن أعادت جدولة ديونها مسبقا، وقامت بتكوين مخصصات نظير تلك القروض.

وتستهدف عملية إعادة جدولة الديون لشركة ما في المرة الأولى البنوك قبل الشركة نفسها، حيث انها تسمح بتكوين مخصصات بشكل تدريجي وبأوضاع مريحة أكثر من عدم الجدولة واللجوء للقضاء، أما الجدولة في المرة الثانية فإنها تهدم ما عملته البنوك في المرة الأولى كونها غير مستعدة لإعادة العملية من جديد، وبالتالي فرص رفضها أكثر من قبولها.

تغيير الاستراتيجية

ويشير مراقبون إلى أن الازمة الحالية أجبرت الشركات على تغيير استراتيجيتها بالنسبة للأصول المملوكة لها، وجعلتها تفكر في التخارج منها وخلق سيولة إضافية لها، لذا لجأت بعض الشركات إلى حل التخارج من بعض أصولها، لمساعدة ميزانياتها في الاوضاع الحرجة الحالية، ومن الطبيعي أن تلجأ إلى بيع الأصول الجيدة التي تحقق لها بالفعل عوائد مادية، فالشركة في النهاية تهدف لتحقيق الأرباح، ولا يوجد أصل قامت بشرائه إلا بهدف تنميته وبيعه مستقبلاً.

ويقول هؤلاء إن عملية بيع الأصول ليست جريمة إذا كان الهدف منها تحسين نوعية الأصول المستقبلية، أي استغلال العوائد المحققة لتملك أصول تخدم ميزانية الشركة خلال الفترات المقبلة، أو وضع استراتيجية تهدف لوضع الشركة في المسار "الإيجابي" خلال السنوات المقبلة، ويفترض بما أن الشركة تخارجت من أصل من أًصولها أن يكون أفضل لنوعية الأًصول المستقبلية.

لكن هناك بعض الأخطاء التي حدثت خلال الفترة الماضية، أي قبل الازمة المالية، والتي كانت جزءاً أساسياً في أزمة بعض الشركات، وهي أن هناك قروضاً حصلت عليها بعض الإدارات، ولم توجهها لمكانها الصحيح، أو أنها باعت أصولا جيدة لإغلاق بعض الالتزامات المالية الموجودة عليها، وبالتالي لم يتبق سوى الأصول "التعيسة" التي لا تخلق عائداً مناسباً للشركة، وهذا ما يجعل الإدارات في هذه الشركات المسؤولة عن هذه التدهورات.

نقطة حمراء

وأكد مراقبون أن الشركات التي تخارجت من أصولها الجيدة، ولم يتبق لديها إلا غير الجيدة، ووجهت السيولة الناتجة "كلها" إلى التزاماتها، وصلت إلى "النقطة الحمراء" التي تساهم في غرق الشركة، فكيف ستقوم بخلق عوائد لضمان استمرارية الشركة في هذه الاوضاع؟ وبالتالي فإن تصفية الشركة  هو الحل، أو تخفيض رأسمالها، ما يؤدي إلى "إعدام" المخصصات، وبالتالي بيع أي أصل حتى لو كان سيئا طالما سيؤدي إلى خلق "ربح" بناء على رأس المال الجديد.

وكما أشرنا في تقرير سابق، فمن المفترض أن توحد الجمعية العمومية المساهمين، وتعمل على رص صفوف صغار المساهمين في الشركة، والعمل على تجميع نسبة مؤثرة من اسهم الشركة لاختيار أحدهم كممثل عنهم في مجلس الإدارة، ويكون من أصحاب الخبرة والمؤهلات الفنية التي تحتاجها الشركة في المرحلة المقبلة.

كما أن المساهمين مطالبون بلعب دورهم الرئيسي في حماية أموالهم ومساءلة ومحاسبة مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية عن جميع التجاوزات والمخالفات التي حولت الشركة لتدهوراتها الحالية.

دور الرقابة

أما دور الرقابة العامة، المتمثلة في هيئة أسواق المال وبنك الكويت المركزي ووزارة التجارة والصناعة، وغيرها من الجهات الرقابية، فإنه يأتي في حماية مدخرات الآخرين، وعلى الشركات الجيدة أن تعمل كما تشاء طالما أنها ملتزمة بالقوانين واللوائح المنظمة لعملها، وبإعلان كل ما يشترط عليها القانون من بيانات مالية وإجراءات إدارية وغيرها، أما الشركات غير الجيدة، التي تستخدم كمصائد لمحاولة ضياع مدخرات الآخرين، فهذا ما خُلقت المؤسسات الرقابية من أجله، وهو الحماية والرقابة.

لكن، حتى الآن فإن تقييم الرقابة الحكومية يعتبر ضعيفاً، وربما أبرز دليل على ذلك أننا نعيش الآن بعد مرور 4 سنوات من بداية الأزمة المالية والشركات الورقية لاتزال موجودة، 4 سنوات من الأزمة وخلاف الحكومة تركز على مفوضية أسواق المال وعضويتها، وهذا ما يعتبر فشلا شديدا في إدارة الاقتصاد خصوصاً في زمن الأزمة.