يتخذ السيد باسم يوسف من مقدم برنامج The Daily Show جون ستيوارت نموذجا عربيا لتقديم برنامجه "البرنامج"، ولا ضير في ذلك فجميع أعمالنا الاعلامية تقريبا تكاد تكون نسخا سيئة من برامج أجنبية تتشابه معها شكلا وتختلف مضمونا. باسم يوسف، مع اختلاف الأداء بين الرجلين، يكاد يقدم نسخة مقبولة من زميله الأميركي. فهو يمتلك جرأة صنعتها الثورة المصرية ولم تكفلها له حتى النهاية، بينما يقدم ستيورات جرأة كفلها النظام الديمقراطي وتاريخ طويل من الممارسة النقدية لأعمال الرئيس وخطاباته. وربما لهذا السبب تم القبض على باسم يوسف والشروع بمحاكمته بتهمة التطاول على "أسياده" كما يؤكد المرشد الإخواني.

Ad

الديمقراطية التي تسير متعثرة وسط العنف والضجيج لم تصل بعد الى قدرتها الكاملة لاحتمال برنامج نقد قاس بحق رئيسها المنتخب. والبرنامج الذي يقدمه يوسف كان أسرع في انطلاقته منها دون أن يتم تعبيد الطريق أمامه. ولذا لم يكن مستغربا أن يقاد صاحبه الى القضاء بالتهمة التى ذكرناها. وهي ليست محاولة لاسكات باسم يوسف ولكن لتذكير الجميع بأن الديمقراطية التي اختير بها الرئيس محمد مرسي لم يتم الايمان بها كعملية تداول حقيقي للسلطة وانما هي ديمقراطية ينتهي مفعول الايمان بها بعد التمكين للرئيس من الوصول الى الحكم.

قبل أن نعود الى السيد ستيورات وهو يحاكم محاكمي باسم يوسف بالجرأة التي عرف بها الرجل في انتقاده لبوش وأوباما أتذكر تعليق الساسة الأميركيين على خطابات الرؤساء العرب وأحاديثهم لشعوبهم تحت وطأة الانفعال والحماس واثبات المواقف الخاوية التي لا تتعدى الآذان التي تنصت لها. فكل خطاب لا يقرأه الرئيس العربي بشكل رسمي ويكون معدا ومكتوبا لا تتخذه المؤسسات الغربية على محمل الجد. ولهذا قدم السيد ستيورات نماذج من خطابات الرئيس مرسي وهو يصرح لقناة "سي إن إن" بأنه لن يقدم منتقدا له الى المحاكمة وذكر المقدم وولف بلتزر اسم باسم يوسف تحديدا. والنموذج الآخر والذي لا أتصور أن الرئيس مرسي يمكن أن يقرأه من خطاب هو تصريحه ضد اليهود بأنهم أحفاد القردة والخنازير قبل أن يصبح رئيسا وذلك مناقضا لرسالته الشهيرة للرئيس الاسرائيلي بعد أن أصبح رئيسا لمصر.

لم يكن باسم يوسف وحيدا في انتقاد الرئيس، وان كان أكثر قسوة وجرأة من سواه،  فمجموعة كبيرة من الاعلاميين والسياسيين وجدوا في كثرة خطابات الرئيس وعدم تمتعه بذاكرة حديدية مدعاة للسخرية. وبدلا من تقديمهم للمحاكمة على الرئيس المصري السيد محمد مرسي أن يعتمد على النص المكتوب وعلى رجال الكتابة السياسية مهنتهم والحاجة لذلك في الأزمات أكثر منها في الرخاء. فهؤلاء الاعلاميون يعدون برامجهم بروية وتحت اشراف معدين متخصصين قبل ظهورهم الاعلامي والأجدر بالرئيس أن يفعل ذلك تاركا لهم الانفعال لا ان تصبح سمة من سماته هو.

اذا كان الرئيس يرغب بتكريس الديمقراطية ويدرك أنها هدفا من أهدافه ويدرك أن النظام الديمقراطي الذي أتى به هو ذات النظام الذي يمتلك القدرة على عزله فعليه أن يدرك أن الاعلام الحر هو الطريق الأول الذي عليه أن يؤمن به. وسأعيد للسيد الرئيس الكلمات التي ذكرها جون ستيوارت: أنت رئيس مصر، مصر التي علمت الانسان الحضارة ونقل لنا منها اليونانيون العلوم، مصر التي اخترعت الكتابة وبنت الأهرام وحنطت الفراعنة وتذكّر أن باسم يوسف يحبها وفضل البقاء فيها. وأن السجن الذي خرجت منه أنت قويا ورئيسا لمصر سيخرج منه باسم يوسف قويا أيضا.