في منطق ومبدأ مكيافيللي فإن "الغاية تبرر الوسيلة" أي إنه بإمكان السياسي أو الحاكم أن يفعل أي شيء في سبيل تحقيق مصلحته حتى لو استدعى قيامه بأفعال غير قانونية وغير أخلاقية، بل إن بعض السياسيين لا يرون في الكذب وسيلة غير مشروعة، وهي مرهونة بمدى تحقيقها أهدافاً عامة يستفيد منها المجتمع، فالكذب عند نفر من السياسيين لا تنطبق عليه مقولة مكيافيللي، حيث يرى أحد السياسيين البريطانيين، أنه لا يمارس الكذب في السياسة، لكنه يقتصد في قول الحقيقة، ويرى آخر أن أفضل طريقة للكذب هي أن تقول نصف الحقيقة.

Ad

وقد صدر للبروفيسور ميرشمر قبل فترة قصيرة كتاب بعنوان "عندما يكذب القادة" حاول من خلاله تحليل الكذب في العلاقات الدولية، مع التركيز بالطبع على الولايات المتحدة. ميرشمر ذاته كان قد آثار جدلاً واسعاً في أميركا منذ سنوات عندما أصدر كتاباً جريئاً بعنوان "اللوبي الإسرائيلي"، الذي تعرض بسببه لحملة هجوم شعواء من اللوبي الصهيوني ومناصريه، حتى إنهم أصدروا كتاباً آخر بعنوان "اللوبي العربي" لموازنة الأثر المزعج الذي أحدثه كتاب ميرشمر على طبيعة عمل اللوبي الإسرائيلي في أميركا.

 وقد قرأت الكتابين في حينها فوجدت كتاب ميرشمر بحثاً علمياً رصيناً، أما الكتاب اللوبي العربي، فقد كان هزيلاً مليئاً بمعلومات خاطئة وتحليلات موغلة في التحيز.

كتاب ميرشمر الجديد عن الكذب فيه الكثير من الأمثلة عن الشرق الأوسط وإسرائيل وأميركا في إطار تحليلي للكذب في العلاقات الدولية، وهو إسهام مهم لتفكيك ظاهرة الكذب سياسيا. وأفكر جديا في ترجمة الكتاب قريباً بإذن الله لتعميم الفائدة.

أقرب مثال للكذب الفاضح سنوياً هو ما تم في تسويق الحرب على العراق وإسقاط نظام صدام حسين الدكتاتوري في مارس 2003، ونتذكره بمناسبة مرور عشر سنوات عليها، وكيف شارك فيها حفنة من سياسيي الصف الأول، وعاونهم على ذلك ثلة من الإعلاميين الكبار، وجعلوا من تلك الحرب ممكنة، مثل ديفيد بروكس وتوماس فريدمان وبيل كريستول وكريستوفر هيتشنز وغيرهم.

 بغير هؤلاء ربما كان الثنائي بوش-تشيني سيجدان صعوبة في تنفيذ تلك الحرب الكاذبة من رأسها الى أخمص قدميها.

الأمر المحمود في أميركا أنه عند حدوث كارثة أو مأساة أو تقصير فإن معول التشريح والتحليل والنقد لا يتوقف عن النقد، أما عندنا فإنهم يكذبون ثم يبررون ثم لا يعترفون، بل يصرون على الخطأ ليستمروا في العيش بكذبة كبرى، لأنهم هم أنفسهم ربما ليسوا إلا كذبة كبرى.