أخبرينا عن ديوانك الأول «سقوط مدو لريشة».

Ad

ما زلت أنتظر قصيدة لم أكتبها بعد. الكتابة بالنسبة إلي تحول دائم باتجاه الحياة، لذا فإن حتمية النظر إلى ما تم مسبقاً ليست واضحة. ولكن يبقى ما كتب عزاء للأرواح المتأهبة للحظة شعرية خالصة من إثم الرتابة والتكرار. وبطبيعة الحال تشكل الكتابة الشعرية تجربة روحية ووجدانية لا نستطيع التخلص منها أو ردمها لأنها عائض لنا في حياة كهذه الحياة التي نعيشها الآن. أطمح إلى تجربة أشد عمقاً تعبّر عن الذهاب إلى ما لا نستطيع التنبؤ به لا شيء غير الشعر كبديل لهذا الزخم من الاحتدامات والتصادمات الوجدانية. وحده الشعر يدخلنا عتمات الروح والجسد والعالم بمثالية وإنسانية سابرة أغوار العتمات البعيدة ومحاولة استقصائها من أقصى لحظات التوتر والاحتدام الوجودي. هذا الإحساس بالانعتاق من الرتم الدائر حول عنق القصيدة شكلاً ومضموناً، يجعلني أبحث عن لحظة شعرية أخرى وتجربة. يكفي أنني حين كتبت الشعر تأكدت من الوجود. وكم تستحق الحياة أن نعيشها على رغم أنها تسحقنا أحياناً.

في {سقوط مدو لريشة} قصيدة التفعيلة أطول وأكثر تركيزاً من قصيدة النثر، لماذا؟

ليس شكل النص ما يحدد طوله وقصره، إنما التجربة. في مرحلة سابقة لم تكن قضيتي التكثيف بقدر حاجتي البوحية ورغبتي في اجترار الصورة التي تضعني بين مشهدين مزدوجين. أما نصوصي الأخيرة، فهي قصائد تشكلت بفعل التكثيف والاختزال إلى ما يشبه {الومضة}، سواء في التجربة النثرية أو التفعيلة. وطبعاً هذه المقدرة على إضاءة المعنى بأقل ممكن من كلمات والوصول إلى النص بكل تفاصيله في بضع كلمات، تأتي بفعل الخبرة والتجربة التي شكلت هذه المرحلة الأخيرة من شكل النص.

لا شك في أن كتابة قصيدة داخل الوزن أو تفعيلة معينة لا تشبه كتابة نص نثري خارج الوزن والأطر وحتما لا يصنع الجمال سوى الخروج من الظلمة والقيود. يجردني النثر من كل شيء فتخرج انكساراتي وحيواتي وعشقي في أتم وأنقى صورها وشعورها.

اشتغالك بالصحافة والإعلام أبعدك عن الشعر؟

فعلاً، أخذني العمل الصحافي كثيراً وأصبحت مقلة في كتابة الشعر وإذا عدت إلى الشعر فاللغة أصبحت لغة تقريرية وأنا بحاجة إلى تقاعد من الصحافة لأجل الشعر، وأخشى أن تذهب هذه الموهبة الربانية عني ولا تعود.

هل أنت قلقة على موهبتك الشعرية من الصحافة؟

نعم، أنا قلقة كثيراً على رغم أن الصحافة بالنسبة إلي إضافة فتحت أمامي آفاقاً جديدة. ولكن ما كنت أخشاه فعلاً أن ينسحب تأثير العمل الصحافي إلى اللغة، فبالنسبة إلي اللغة تورط وانطلاق نحو عوالم داخلية وخارجية لا يملكها إلا قلة، ومجرد أنك تكتشف أن لغتك التي اشتغلت عليها منذ نعومة أظفار القصيدة تتحول إلى اللغة التقريرية والمباشرة، فأنت أمام لحظة توقف مرعبة حول مصير شاعريتك. لكنني قلقة كأم تنتظر ابنها الضال وتساؤلات عودته، هل يأتي كما هو جميلاً أم مشوهاً؟ ترعبني فكرة ألا تعود قصيدتي كما أريدها واشتغلت عليها طوال تلك السنوات. ولا أخفيك، أشعر بين الحين والآخر باللحظة للكتابة، لكنني ما إن أمسك تلابيبها حتى تهرب كمن يفر من قسورة، ولا أعرف السبب. إلا أنني أعطيها وقتها وأمهلها المزيد من الانتظار إلى حين عودتها، فلدي نصوص مبتورة غير مكتملة ولا أستطيع ولادتها. القلق مرتبط بشكل عضوي بهاجس الكتابة لدي، لذا آخذ وقتاً كبيراً لأنهي القصيدة وأراجعها مرة ومرتين وثلاث، وأصبحت الآن معنية بالتناول والقارئ فالشعر هو الكائن الذي يأخذك إلى الآخر الذي لا تعرفه. أصبحت معنية بالفكرة واللغة معاً والتعاطي الشعري الذي لا يمكن الاستخفاف به أو تجاهله.

ما هو الأكثر تأثيراً عليك في الأدب، كتابة القصة أم الرواية أم الشعر؟

كانت الكتابة الشعرية في بداياتها أشبه بمحاولات تطفو على السطح لعدم التفرغ الكامل لبناء النص الشعري، ولعلها تلك البدايات التي أخذت طابع الخواطر والنصوص التي لا مسمى أدبي لها سوى أنها بوح من نوع ما تلك اللحظة سريعة الالتقاط، ثم التحول حيث العناية التامة باللغة وتشظيها الذي يشبه تشظي الروح المنفلتة من عقال الزمن.

الآن، أكتب القصيدة بوعي مغاير ومن خلال القراءات المكثفة والتجربة الحياتية والتواصل الروحي بين التثقيف البصري والوعي الشعري. أصبح الانعتاق من المفردةِ والتجلي أكثر صعوبة، لذلكَ يحدث أحياناً أن أكتب نصاً وأقلق من انفلات اللحظة الشعرية فأتوقف ويطول بي العمر لأستعيد تلك اللحظة وأكمل بناء القصيدة. هذا الاقتراب والنأي أشبه بأنثى تراود صحراء عن يباسها ونسيت أن تبلل أطرافها ببعض قبلات لأكونَ غارقة بسؤال اللغة أكثر. والرواية بالنسبة إلي عمل تراكمي بالدرجة الأولى، وليس لدي نفس طويل لذلك.

تحتاج كتابة الشعر المكثف جداً إلى لغة مكثفة جداً، في حين تحتاج الرواية إلى خبرة تراكمية وقد لا أثق بنفسي في هذا الموضوع من ناحية الخبرة. أما بالنسبة إلى المعرفة فالقراءة هي الغذاء الأساسي والرئيس للوعاء المخزون والمعرفي والاطلاعي.

تعيشين في مجتمع محافظ وكل يرى الأطروحات الأدبية بشكل مختلف. هل أثر ذلك على أعمالك الأدبية؟

لا لم يؤثر ذلك. صحيح أن المجتمع محافظ جداً، لكن المجتمع العماني يمرّ بمتغيرات كبيرة، والمجتمع المغلق أصبح منفتحاً ولم تعد مسألة كتابة الشعر عند المرأة عيباً.

تواجه الشاعرة والكاتبة عموماً تهمة جاهزة وهي إغراقها في الذاتية وابتعادها عن القضايا الإنسانية الأخرى. هل تعتبرينها تهمة؟

في الحقيقة، أعتبر في لحظة من اللحظات أنني معنية بما يحدث خارج الأنثى والكتابة، ومحاولاتي الكثيرة للخروج من جلدي تعيدني إلى أناي فأكتب الأمور كأنا بلا وعي، هل هي خطيئة؟ ولا أتعمد الكتابة عن ذاتي مع أن القصيدة ذات، ولا أستطيع التحكم بكمية وثورة المشاعر التي تخرج كوني أنثى. باختصار، القصيدة هي التي تكتبني وتختار شكلها بنفسها وتفاصيلها بنفسها. تقف مهمتي في استخراج المخزون الجمالي والمعرفي، وهذا بلا وعي أيضاً، ومع مرور التجربة يتداخل مع الكتابة الذاتية بشكل جميل وعميق ومعبر عن المرأة .

كيف ترين حرية الرأي والإبداع في عمان؟

نحن مثل كل الوطن العربي، لدينا قيود ومحظورات. بعد حركات الإصلاح والتغير أصبحت المواضيع تأخذ شكلاً مختلفاً متجاوزة تلك الخطوط الحمراء. ونعم لا تزال القيود موجودة، لكنها ليست بتلك القوة التي كانت عليها سابقاً،  خصوصاً في بعض المؤسسات الإعلامية الخاصة، حيث ما زلنا  بحاجة إلى كسر الرتابة والتضليل الإعلامي لنصل إلى حقيقة دور الإعلام المغيّبة، وهذا يجعلنا جنوداً نسير على خطة المسؤول الذي ما زال يعيش في جلابيب أجداده ورواده.

يتهم البعض الحركة النقدية العمانية بالتأخر عن الحركة الأدبية، لماذا؟

هذا ليس في عمان فحسب بل في العالم العربي كله. الحركة النقدية لا تساوي الحركة الأدبية وثمة انتقادات حول النقد. تحتاج الحركة النقدية فعلاً إلى نقاد يفهمون النص من أساسه.

ما جديدك في الفترة المقبلة؟

حتى الآن لا جديد تحت الشمس لأن الصحافة والإعلام أخذاني بقوة وأحتاج إلى وقفة كي أعود إلى الشعر والأدب.