رغم ما يشهده لبنان من تحديات خطيرة سياسية وأمنية واقتصادية، والنتائج السلبية المتوقعة من انخراط طائفة لبنانية في مواجهة الثورة السورية، فإن من يتابع الصحافة ووسائل الإعلام اللبنانية المختلفة يستشف حالة من الفرح والاستبشار بخير مقبل، يعكسه ما يروج عن استكشافات نفطية وغازية هائلة في لبنان، تقدر عوائدها بتريليون دولار، كما يتردد في الإعلام اللبناني، وهي توقعات أو تقديرات غير موثقة من مراكز علمية موثوقة ومحايدة، لكن كعادة الأمور المتعلقة بالشأن اللبناني تكون دائماً مرتبطة بعالم الأمن والاستخبارات، إذ إن أوساطاً ومصادر حكومية وإعلامية لبنانية تشير إلى أن تقارير الاستكشافات البترولية اللبنانية الحقيقية موجودة لدى الاستخبارات الأميركية والفرنسية والإسرائيلية فقط.

Ad

اللبنانيون فرحون بأنهم وفقاً لما يروج عن اكتشافاتهم النفطية سيكونون الدولة الثانية من حيث الاحتياطيات النفطية في الشرق الأوسط، بعد السعودية وقبل الإمارات والكويت وقطر! هذه الأخبار السارة تستحق أن نبارك للشعب اللبناني عليها، لكننا نخشى على الأشقاء اللبنانيين من لعنة النفط التي أصابت شعوباً حيوية ومنتجة ومنفتحة، فحولتها إلى شعوب سماتها الاستهلاك والبطالة المقنعة والتزمت الأصولي القاتل، فأموال النفط أحيت لدى ملاكها من شعوب كل موروثات التزمت بطرفيه السني والشيعي، وخلقت ذراعيهما المتمثلين في تنظيم القاعدة وأحزاب الله في العراق ولبنان ومواقع أخرى، فأموال النفط السهلة تغيب العقول عن واقعها وبناء مستقبلها، وتحصرها في النزعات العرقية وفي الغيبيات وما بعد الحياة أو في ابتكار وسائل كنز الثروات اللامتناهية.

لذلك أنا أهنئ اللبنانيين، وكلي خشية وتوجس من مستقبل لبنان لو صحت أنباء الضخ الإعلامي الكبير والمتفائل حول ثروته النفطية، لخشيتنا مما قد تفعله بهم تلك الثروة، فإذا كانت طوائف لبنان بثروته الحالية بالتبولة والصبايا المبدعات والسياحة المضروبة بين حين وآخر خاضت كل هذه الحروب الأهلية والمواجهات لتوزيع عوائد لبنان المتواضعة، فماذا سيفعلون عندما تبدأ مليارات النفط تتدفق عليهم؟ وكيف سيقتسمونها؟... لذلك الله يستر من لبنان النفطي المرتقب!

***

كما باركنا للإخوة في لبنان على اكتشافاتهم النفطية، علينا أن نبارك لأشقائنا في المملكة العربية السعودية على نجاح المرحلة الأولى من مبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي الخارجي، ودخولها المرحلة الثانية بعد توفير مساحات كبيرة في السودان أجرتها المملكة، وستطرحها للمستثمرين السعوديين الزراعيين عبر شركة الاستثمار الزراعي "سالك"، التي أسستها جهات استثمارية حكومية سعودية لتحقيق الأمن الغذائي للسعودية، وهو ما سيتحقق للمملكة بشكل متدرج مع بداية الربع الأخير من العقد الحالي.

منذ فترة كتبت عن تلك المبادرة المهمة للعاهل السعودي، وطلبت من حكومتنا ممثلة في هيئة الاستثمار أن تنتبه لهذا الجانب المهم مع تقلص المعروض عالمياً من المحاصيل الزراعية، واستخدامها جزءا كبيرا منها كوقود حيوي، وتمنيت أن يوجه جزء من الفوائض الحكومية المستثمرة في البورصات والمضاربة لإنشاء شركة كويتية للاستثمار الزراعي في إفريقيا، واليوم أكرر هذا المقترح خاصة أن علاقتنا مع أثيوبيا المتنامية في عدة مجالات يجب ألا تقتصر على الاستفادة من العمالة الأثيوبية، بل يجب تطويرها مع هذا البلد ذي الإمكانات المائية الهائلة والأراضي الخصبة، خاصة أن آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية سيتوفر لها الري على مدار العام فور الانتهاء من بناء سد النهضة الأثيوبي... فهل نبادر وندخل كمستثمرين زراعيين كبار هناك، ونؤسس لصناعة كويتية في مجال الغذاء وتصنيعه، توفر لنا الأمن الغذائي واستثماراً نوعياً أم سنظل نراوح في آخر الركب؟!