في معرض القاهرة للكتاب... أزمة الترجمة في العالم العربي
«الترجمة كأزمة من أزمات التطور الحضاري في العالم العربي» عنوان المائدة المستديرة التي عقدت في إطار فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، للبحث في العوائق التي تحول دون الترجمة وأسبابها وسبل الخروج من أزماتها.
أكدت الأديبة والناقدة د. سهير المصادفة أن الترجمة كانت طريق التواصل الأول، وليست هي الترجمة التي نعرفها من البرديات، وإنما هي اختراع مبكر جداً وغير مدون بين ملوك هذا العالم، ولا ننكر أنه في الآونة الأخيرة تحتاج إلى إقامة بنية تحتية من جديد، حتى تقوم بدورها المنوط بها، فالترجمة دورها الرئيس أن تنقل للحضارة التي ماتت بذوراً من الحضارة التي بزغت في مكان ما.جاء كلام د. المصادفة في إطار ندوة في معرض القاهرة الدولي للكتاب بعنوان «الترجمة كأزمة من أزمات التطور الحضاري في العالم العربي». وأوضحت المترجمة د. سامية رمضان، أن الترجمة فعلاً جسر الحضارات وهي العامل الوحيد الذي يحقق مبدأ العولمة وأن العالم كله قرية صغيرة كما يقال. لكن عندما نترجم عملاً من أي لغة إلى العربية أو العكس لا بد من توافر فريق عمل من البلدين. مثلاً، في حال البدء بمشروع ترجمة من اللغة العربية إلى الإنكليزية، ينبغي أن يعمل إلى جانب المترجم الإنكليزي خبير باللغة العربية كي يتحقق الهدف من الترجمة وهو نقل العادات والتقاليد والحضارة كما هي، فلا تتم ترجمة أي كلمة بالتقريب من دون أن تعطي المعنى المقصود منها وتصبح مفرداتنا الخاصة معروفة لدى الغرب وهذا هو تناقل الحضارات.
وضربت سامية مثالاً بدولة ايرلندا التي رزحت تحت الاحتلال أكثر من 50 سنة فتم محو لغتها نهائياً واحتقرت الديانة الكاثوليكية فيها. حتى إن كل من كان يرغب في تعلم هذه اللغة كان يتعرض للإبادة. ولكن بعدما رحل الاستعمار تاركاً الشعب في مستوى متدن من العلم واللغة والدين، دأب الأخير على أن يستعيد لغته وتم ذلك عن طريق «طلاب العلم الحافيين»، الذين كانوا يسافرون من بلد إلى آخر كي يتعلموا الديانة الكاثوليكية، ثم يعودون إلى دولتهم ويبنون كُتاباً ويعلمون فيه أهل البلدة، وبهذه الطريقة بنت أيرلندا نفسها من جديد، علماً أنها عانت أكثر مما عانى المصريون على يد الإنكليز.وأكدت سامية رمضان أننا إن لم نعرف أصول لغتنا لن نستطيع التأثير في المشهد العالمي من خلال الثقافة، فلا بد من أن نعيد ترجمة تراثنا العربي وأن نعلمه لشبابنا في المدارس والجامعات، فنحن لا نرى المقريزي ولا خطط علي مبارك ولا قصص الحب الفرعوني في المدارس، فكيف تكون لهؤلاء الشباب رؤية أو ثقافة؟ يجب أن نسعى إلى التنقيب في التراث العربي العظيم، وفي سبيل ذلك نحن في حاجة إلى الاستعجال وترتيب الأولويات. فجوة حضاريةيرى المترجم د. مصطفى رياض أن الثقافة العالمية تقابل تعدد الثقافات، وكانت أوروبا قبلتها حتى وقت قريب. ولكن منذ تعددت الثقافات أصبحت لدينا وفرة في الأعمال المعروضه للترجمة ومن ثم تعدد الحضارات التي نأخذ عنها، ولا ننكر أننا الآن نعاني فجوة حضارية والحل الوحيد للخروج منها يكمن في الترجمة، ويجب على الثقافة المصرية أن تتطور كي تلحق بركب التعددية الثقافية.وأضاف: «قديماً كنا أتباع الثقافة بمعناها الواسع المتطور، والآن حلت محلها فكرة تعدد الثقافات، وعندما أنشأنا مجلة «واصلة» كان كل ما يهمنا أن نذهب إلى تلك الثقافات ولا نميز واحدة على الأخرى، نأخذ مؤلفاتها ونقدمها نحن بترجماتنا، وما في هذا المجلة يعتبر تغييراً نوعيا عن التصور الذي قدمه أحد رواد التنوير في الغرب، ولكننا قدمناها على خط واحد.وذكر المترجم علي البعلاوي: «تبنيت الكثير من الشباب ودربتهم على الطريقة المثلى للترجمة، فنحن جميعاً نعلم أن المأساة التي نعانيها ضعف مستوى المترجمين، لذلك فإن من الضروري أن تقوم الدولة بالدور الذي أقوم به حتى يرتفع مستوى المترجمين.وطرح البعلاوي مثالاً عما يلاقيه المترجم من صعوبات في الترجمة، فثمة مقالات كثيرة ترجمت لتعكس تجربة أميركا اللاتينية في هذا المجال، وعندما نقرأها نشعر بصدمة لأنها تختلف كثيراً عما عرفناه وتعلمناه في بلدنا، لذلك فإن التواصل بين الثقافات أمر له أهمية قصوى والترجمة هي الجسر الذي يربط البلاد.