توحد الشاعر

نشر في 14-04-2013
آخر تحديث 14-04-2013 | 00:01
 ناصر الظفيري اذا رأيت شاعرا حقيقيا يبتسم فتأكد أنه إما أضاع الشعر أو أصيب بالجنون. وفي عنوان ديوانه المتناقض "كشاعر سعيد... كطاغية يبتسم" يضع سعد الياسري حالين من الصعوبة بمكان تحقيقهما، فسعادة الشاعر تستحيل في وضع يسير من بؤس الى آخر وابتسامة الطاغية كارثة. لن نبحث طويلا في حالة اليأس والاحباط التي تصيب الشاعر في تحولاته المتعددة، وان كان ذلك مبحثا يستحق العناء النقدي فعلا وهي حالة ليست مقتصرة على الشاعر العربي وانما حالة تمتد الى معظم الشعراء دون استثناء. والشاعر، تحديدا، على غرار كتاب النصوص الأدبية الأخرى يصابون بالتوحد تماما كمريض التوحد أمام كل ما يمكن أن يبعث على الابتسام. الشعراء مصابون بالتوحد الذي يصيب الطاغية وبالريبة ذاتها من الآخر التي يشعر بها الطاغية.

في الأوضاع الاجتماعية والسياسية المتردية للوضع العربي السابق والراهن يجد الشاعر الصورة العامة التي ينظر اليها قاتمة ومزعجة في خارجه وداخله. وخروجه من اطار الصورة الى غربته ومنفاه الاختياري أو الاجباري لا تمنحه كثيرا من السعادة المتوهمة فيتساوى البقاء والرحيل في تأصيل حالة التوحد تلك عوضا عن التخلص منها. وربما تجربة سعد الياسري في ديوانه الأخير وحالته الخاصة ليست سوى مثال على العديد من الشعراء الذين يقاسمونه هذه الحالة.

جميع اقتناصات شعرائنا الشباب اليوم تركز على ما يؤكد همهم الداخلي حتى تبدو حالة السعادة مطلبا غبيا لا نجرؤ على المطالبة به.

العالم أمنية / وأنا أشعر بالاحباط / ثم بالتقيح كلما قرأت: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل".

لم يعد اليأس مرتبطا بالراهن في حياة الشاعر وانما يمتد الى الأمل والذي يتضاءل كثيرا في أوضاع تسير نحو المزيد من الأزمات التي يتوقعها حدس الشاعر. والسؤال عن سبب توحد الشاعر واغترابه له اجابة واحدة لا غير: الوطن. الوطن الذي يحمل الشاعر همومه من مدينة يتوهمها أجمل من مدينته وأكثر هدوءا من صخب الطغاة فيها ليجد نفسه متوحدا معها في منفاه يحملها أينما ذهب. مدينة لا تترك له حرية المتعة في وجه مدينة اغترابه. في السويد أو القاهرة أو الكويت هناك دائما مدينته الأولى تسكنه وتحدد نبض شعره.

يحاول أن يقسو عليها ويسميها بلاد ما بين النارين ويعدها أن يكون مهرجها الذي نذر نفسه للترفيه عنها ولكنه لا يفعل. ليس لأنه لا يريد ولكن لأنه لا يستطيع. حالة العشق الناقصة التي يعيشها مع مدينته تمتد الى جميع علاقاته بالآخر، الصديق الخائن، المرأة العابرة، والشوارع الغائرة كجراح في روحه. انه لا يتأقلم الا مع ذاته وما في ذاته غير توحده.

الأكثر أهمية في سر الشعر العربي المهاجر عدم تآلف الشاعر المغترب مع حالته الراهنة مهما طال زمن غربته ومهما اقتنع أن بإمكانه التعايش معها بجدية، ليس كوطن بديل بل كحالة شعرية بديلة يمكن لها أن تنتج نصا مغايرا. والياسري يختصر الاجابة عن ذلك:

العالم وطن / وأنا لدي مشكلة واحدة / أهفو الى فهم معنى (وطن)!

بالتأكيد تلك ليست مشكلة واحدة فقط، ربما مأساة واحدة. لأن حل المشكلة ممكن أما انهاء المأساة فمأساة أخرى.

back to top