ملفات الفساد المالي لم تعد بحاجة إلى أدلة وبراهين لإقناع الناس بها، ولا نبالغ إذا قلنا إن استباحة البلد وأمواله العامة قد نخرت كل مرفق حكومي تقريباً وفق اعترافات صريحة من أعلى الهرم السياسي، وانتهاء بصغار الموظفين في الوزارات والهيئات العامة.

Ad

هذه الكارثة تعززها تقارير مستقلة ومحلية كانت مثل "ديوان المحاسبة" أو "جمعية الشفافية" أو تقارير لجان الرقابة المالية، أو المنظمات الدولية وفق مؤشراتها النمطية التي وضعت الكويت في مراكز متقدمة وثابتة على مسطرة الفساد.

ولكن أن يصل هذا النوع من الفساد المالي إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وفي ما يتعلق بالمساجد وبنائها وصيانتها وترميمها، فهذا لا يكشف عمق جروح الفساد وحالة اللا دولة، إنما حجم الأمراض النفسية وموت الضمير والجرأة في التلاعب والانتفاع ولو على حساب بيوت الله.

وحزمة العقوبات والإجراءات التي اتبعها وزير العدل والأوقاف بحق عدد كبير من المسؤولين والإداريين في قطاع المساجد في تهم يبدو أنها بلغت حد الإدانة وفق تحقيقات مكثفة من جهات مستقلة ومحايدة، تكشف المأساة والمتاجرة بالدين والخيانة لهذه الدرجة، وقرارات السيد الوزير هنا بالتأكيد جديرة بالاحترام وواجبة الدعم والتأييد.

أما الوجه الآخر لمأساتنا الكويتية فيكمن في ردود الأفعال تجاه ما اتخذه الوزير، فهناك من انتقد انفراده بمحاسبة العاملين في قطاع مساجد محافظة الأحمدي، وهذا النقد بالتأكيد مباح بل يذهب أبعد من ذلك بضرورة فتح باب التحقيق في بقية المحافظات بعدما فاحت الرائحة الكريهة، ولكن التسامح مع من ثبتت إدانته بحجة أن الآخرين أيضاً يسرقون فهذا أقبح من دناءة الجريمة نفسها.

ولا أزعم أنني أدرك تفاصيل الصراعات داخل وزارة الأوقاف بين التيارات الدينية والتنافس على النفوذ والسيطرة على قراراتها، ولكن طبيعة ردود الفعل إزاء الإجراءات الأخيرة تعكس بوضوح حالة "كسر العظم" بين الفرقاء، في مشهد ينطبق على الكثير من الوزارات الأخرى، ولسان الحال بقول إن المال العام مباح للجميع، ومادام الكل مستفيداً منه فلا يجوز تطبيق القانون أو المحاسبة على ناس وناس.

نعم السيد الوزير مطالب بمسح شامل لكل أشكال الفساد وعلى الجميع بغض النظر عن انتمائهم وأحزابهم ونفض هذه الوزارة المنسية التي نجحت في إخفاء نفسها بهالة من القدسية الدينية، ولكن تظل إجراءاته الأخيرة بالمحاسبة والعقاب جديرة بالاهتمام انطلاقاً من شعار العوض ولا القطيعة!