كلمة•: إلى الرئيس أوباما... مع محبتي
سيادة الرئيس باراك أوباما المحترم،أكتب رسالتي هذه إليك من منطلق الصداقة. وأسمح لنفسي بمخاطبتك لأنني أعتبر الولايات المتحدة زعيمة للعالم الحر ورئيسها شخصية مميزة وصاحب دور استثنائي.
دعني في البداية أعرفك بنفسي. فأنا رئيس مجلس العلاقات العربية والدولية الذي يضم في عضويته رؤساء وزراء سابقين ووزراء خارجية سابقين وصحافيين ومفكرين من العالم العربي. وأنا أعرف الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ 30 عاماً وهي تعرفني. لقد قابلت الرؤساء ريغان وبوش الأب وكلينتون عندما كنت رئيس تحرير. ثم، حين أصبحت نائباً ورئيساً للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الكويتي مدة 12 عاماً ورئيساً للبرلمان العربي لدورتين، ترددت باستمرار إلى عواصم القرار وخصوصاً واشنطن. لذلك فإن أروقة البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي ومراكز الأبحاث تدرك مدى اهتمامي بسياسة دولتكم في العالم العربي، وتعلم أنه لا يوازي إعجابي بنموذج النجاح الحضاري والعلمي الأميركي إلا نقدي الصادق والحاد للسياسات الأميركية تجاه منطقتنا والتي إن أصابت مرة فإنها أخطأت مرات، بل ارتكبت خطايا باتت في ذمة الذاكرة.وإذ إننا لا ننسى دور الولايات المتحدة في تحرير الكويت، أود الإشارة إلى أنني ترأست في يناير 2002 وفداً غير حكومي قدم التعزية إلى الشعب الاميركي ممثلاً بكولن باول في واشنطن بعد عدوان 11 سبتمبر، وعبَّر عن إدانة الشعب الكويتي الكاملة للجريمة النكراء.من هذه المنطلقات أكتب رسالتي إليك يا سيادة الرئيس آملاً أن يسمح لك وقتك بالاطلاع عليها، علَّ فيها ما يفيدكم ويفيدنا ويفيد البشرية جمعاء.كان انتخابك يا سيادة الرئيس في 2008 لحظة مضيئة في تاريخ الإنجازات الأميركية الطويل، وهو دليل واضح وقاطع على مدنية وديمقراطية النظام الأميركي الذي حقق بأسرع من الحلم حلم مارتن لوثر كينغ.ولقد أتيت يا سيادة الرئيس بعدة مبادرات رفعت معنويات المنطقة وجعلتها تأمل الخيرَ والسلام العادل، وأهمها خطابك الرائع في جامعة القاهرة. لكنك بعد هذا الخطاب استدرت 180 درجة ودشنت مسلسل التراجع بالرضوخ لإرادة التطرف في إسرائيل وبثثت روح الإحباط في مَنْ أمل منك الوقوفَ مع الحق بكل ثبات.ثم جاءت فترتك الثانية التي تتيح لك التحرر من القيود، فخيبت الآمال لأنك بدوت شبه مستقيل من مسؤولية أميركا الكبرى تجاه أحداث العالم. وهنا بدأت التناقضات.تصرفت بطريقة مناسبة في ليبيا ثم تقلبت مواقفك إزاء التغيرات في مصر، ساعة تدرك اتجاه البوصلة وطوراً تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى أن جاءت الأزمة السورية فوضعتك على المحك. فأنت رفضت الإقدام، في حين أن الإحجام لم يعفِك من المسؤولية. وإذ صار التردد عنواناً لموقفك "السوري"، فإنك أفسحت المجال لروسيا للدخول بقوة استثنائية إلى المعادلة، وفتحت الباب لكي يدخل إلى سورية كل العناصر التي عاثت دماراً في العراق وبينها المقاتلون الجوالون الذين يفهمون الدين جزّ أعناق. سيادة الرئيس،لا أعلم هل أن تصريحك الشهير الذي يعتبر استخدام السلاح "الكيماوي" في سورية خطاً أحمر كان مقصوداً أم هو زلة لسان. لكنك اليوم تواجه هذا الواقع بعدما اعترفت إدارتك بأنه استُخدم 14 مرة في سورية خلال العامين الماضيين. ولا نعلم حتى هذه اللحظة مقدار جديتك في إزالة هذا الخطر عن البشرية وفي معاقبة مَن ارتكب هذه الجريمة النكراء.لا عاقل في الدنيا يبرر استخدام "الكيماوي". وواجب كل إنسان إدانة استخدامه ضد أي دولة أو أتباع دين أو أي طرف على الإطلاق. ولستُ في المبدأ من دعاة استخدام القوة وضرب أي جيش عربي لكنني أريد أن أسألك ولا أنتظر الجواب:لو استخدم "الكيماوي" ضد إسرائيل متسبباً في مقتل 14 شخصاً وليس 1400، وهو واحد في المئة من عدد ضحاياه السوريين، فهل كنت ستتردد في معاقبة الجاني؟ وهل كنت ستذهب إلى الكونغرس وتأخذ موافقته وتطلب منه غطاء في حين أنك تمتلك الصلاحية التي استخدمها قبلك رؤساء أميركيون تحملوا مسؤولياتهم في أكثر من حدث ومكان؟دعني أسألك يا سيادة الرئيس: أليس بسبب موقفك المتردد ذهب كاميرون إلى مجلس العموم وفشل في التفويض؟ أوَليس موقفك هو الذي أضعف اندفاعة الرئيس الفرنسي الصادقة لمعاقبة النظام السوري؟ ألم تدفع روسيا إلى التشدد؟ ألم تضعف الرئاسة الأميركية وصلاحيات الرئيس؟ ألم تتح الوقت للجهاديين والتكفيريين، بسبب عدم تسليحكم الجيش الحر، لدخول مدينة معلولا المسيحية التاريخية وإثارة الفاتيكان والكنيسة العالمية وترويج أن النظام السوري يحمي الأقليات وأن الثورة قادمة لذبحها؟سيادة الرئيس،نريدك رئيساً ناجحاً وقائداً للعالم نحو الحرية والعدالة. ولا نريد إطلاقاً أن تثبت النظرية القائلة بأن المثقف والأكاديمي لا يصلحان لإدارة سياسة بلاد.من أجل ذلك، أناشدك وقف التردد واتخاذ القرارات الصائبة التي تنهي مأساة الشعب السوري، وليس استخدام القوة العسكرية في رأينا إلا آخر الخيارات. وألفت انتباهك مجدداً الى ما لا يخفى عليك، وهو أنك يجب ألا تُخدع بالمبادرات الهادفة إلى المماطلة وكسب الوقت. صحيح أن العرض الروسي- السوري لإزالة الترسانة الكيماوية يجب أن يُفحص بجدية ويؤخذ بالاعتبار، لكن لا تنسَ يا سيادة الرئيس أن هناك نحو 120 ألف سوري قتلوا بغير "الكيماوي" وأرواحهم تستصرخ الضمائر الحية في العالم لوقف هذه المجزرة التي ستبقى مفتوحة إذا حصلت صفقة دولية تختص فقط بـ"الكيماوي". وأنت المؤهل لِقَرْن القول بالفعل إن أردت وضع حد نهائي لهذه الكارثة التي تحل بالشعب السوري.سيادة الرئيس،استبشرنا خيراً بقدومك لأنك أعطيت صورة مشرفة عن التعددية في بلادك وعن قدرتها على استيعاب التناقضات وجعل الفروقات ملعباً للإنجازات. ودورك اليوم، في عهدك الثاني، أن تحفر بصمة وتسجل أنك كنت صاحب قرار شجاع في فرض حل للأزمة السورية بالسياسة إذا قبل النظام التسوية والتنازلات بلا كذب ولا مناورات، وبالقوة إذا لم يكن هناك من مناص.