لا يمكن أن يكون خطاب الرئيس مرسي قبل أيام وسط أنصاره الذين احتشدوا لسماعه و"تأييده" يعبر عن رأيه الشخصي بأي حال من الأحوال. ولو كان كذلك لكان الخطاب مختلف المضمون واللهجة، ولكنه بكل "أسف" كان ينطق بلسان جماعة "الإخوان" الذي حاول إقناعنا بألا سيطرة لها عليه ولا على حكومته.

Ad

اللهجة المتشددة التي استخدمها وهو يعلن قطع علاقة مصر مع "النظام في سورية" والإبقاء على العلاقة مع "الشعب السوري" تحمل تناقضاً في عصب القضية، ولا يمكن فصل شعب عن نظامه وكلا الاثنين- المعارضة والنظام- في سورية يتبادلان حواراً قاسياً حتى ولو كان بالسلاح المدمر.

الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن هناك نظاماً سورياً مازال يمارس كل سلطاته وبعنف وجد نفسه يستخدمه أمام موقف عالمي ينتظر سقوطه بترقب شديد وحذر ودعم خفي وظاهر أحياناً لجماعات كانت توصف بالإرهابية، وأن هناك شعباً يعاني ويلات جاءت من الخارج بمسميات لم يقبلها الشعب كله حتى الآن.

لم يكن الشعب وهو صاحب القضية والقرار يتصور أنه سيتم تشريده وتحويله إلى لاجئين لا يعرف إلا الله متى تنتهي معاناته، ولكنه أي الشعب أراد من النظام أن يكون أكثر قرباً منه ومن مشاكله وأن يكون بينه وبين النظام حوار يتسم بأخلاق يفرضها واقع مؤلم، لا أن يكون حوار بنادق ظهرت فجأة بعيداً عن المعارضة الحقيقية التي أفرزتها حالة تدهور كبير للوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة السورية.

إذاً أين يقف "مرسي"؟

هل في ظل "الإخوان"- الجماعة الحاضنة- له؟ أم في صف الشعب المصري الذي ينادي ليل نهار بمغادرته لعدم قدرته على إدارة دفة القيادة والنجاة بمصر من أتون الاضطرابات والفتنة المتربصة بها؟

هل سيكرر موقف مبارك في حرب الخليج؟ وهل سيرسل جيشاً مصرياً لدعم المجموعات التي يتم تصفيتها من قبل القوات السورية النظامية على عجل وبكل الوسائل التقليدية وغير التقليدية، كما تحمل الأخبار؟

وهل سيرسل الجنود كما حصل في أوائل الستينيات إلى اليمن ويعرض الأمن المصري وشعبه إلى المزيد من الضغط بينما حدوده مع العدو الحقيقي مكشوفة ومازالت مسرحاً للخارجين عن القانون والجماعات الإرهابية؟

وهل مصر في استجمام وراحة بينما معركة "مياه نهر النيل" تدق طبولها من بعيد مما يهدد مصر كلها بالموت والمجاعة لو نقصت كميتها المقررة من مياه نهر النيل؟

في ظرف كهذا تعيشه مصر، أكبر دولة عربية، وكل الأنظار تتجه إليها لأخذ مبادرة حقيقية بحيادية تامة لحل الأزمة السورية، إن صح تسميتها، فإن المنطق يقول: ما كان للرئيس "مرسي" أن يتخذ قرار المقاطعة السياسية بهذه السرعة واللهجة العنيفة، لأنه سيترتب عليه مقاطعة من كل نوع بين الدولتين الأكبر والأهم عربياً، والتي يتحمل تبعاتها هو الشعب المصري... الشعب الشقيق للشعب السوري!

أم هو قرار في صورة "مخرَج" يجعل القيادة المصرية في حِل و"تتملص" من الحوار مع النظام في سورية بحجة قطع العلاقات، خصوصاً أن الكثير من دول العالم تقف موقفاً مشابهاً دون قطع العلاقات مع سورية؟

وقد تساءل البعض... لماذا لم يتخذ الرئيس مرسي مثل هذا الموقف مع إسرائيل وتم قطع العلاقات معها والتي استخدمت مع شعب فلسطين في غزة أكثر الأسلحة فتكاً ودماراً وهو شعب أعزل ومحاصر؟!

وفي نفس الوقت لماذا لم تظهر القوة السورية النظامية بهذا العنف وردة الفعل أمام جيش دولة تحتل بقعة غالية من أرض سورية وهي "الجولان"؟ أو حين اخترقت طائرات العدو الأراضي السورية التي كلما فعلت هذا سمعنا النظام السوري يردد أنه سيرد في الوقت والمكان المناسبين؟!

المواقف متشابكة والصور متداخلة حتى بات من الصعب الوصول إلى نتائج مرضية في وقت قصير، لكن هذا لا يمنع استمرار المحاولات لأن ما يجري على الأراضي السورية يجب أن يتوقف بأي شكل وفي أسرع وقت، وإلا سيترتب عليه وضع مأساوي جديد من المعاناة والقطيعة.

لعلنا نذكر أن الشعب العربي كله ما إن يُذكر شعب مصر إلا وذُكِر شعب سورية، ولعلنا نذكر أيضاً أن الظاهرة القومية العربية الوحيدة في العصر الحديث كانت تلك الوحدة المصرية السورية التي مازالت الأجيال تذكرها وتحتفل بذكراها.

المطلوب... قيادة مصرية تحاور قيادة سورية بعقل وتوازن يخرج سورية وشعبها والمنطقة كلها من جحيم يتربصها، وأن هذا الوضع العربي العام إن طال واستمر فإن قضايا جوهرية وكبيرة ومهمة قدم الشعب العربي من أجلها أرواح أبنائه، هذه القضايا وعلى رأسها قضية فلسطين ستكون في مهب الريح التي لا يمكن تصور نتائجها.

فهل من عاقل في مصر يدق جرساً يعلن فيه أن قرار الرئيس بطلاق سورية... قرار باطل؟!

* فنان وكاتب فلسطيني- كندا