غشوا تصلوا
ضرب وزير التربية نايف الحجرف بقسوة على من تسبب في ممارسات الغش من المسؤولين الكبار في وزارة التربية، عندما تواطأوا بالجريمة أو شاركوا فيها عبر إهمالهم في الامتحانات العامة. قسوة الوزير مستحقة، ويا ليت عصا العقوبة تطول وتردع الغير، ليس في هذه الوزارة فحسب بل في جل مؤسسات الدولة التي تراوح في قضايا الغش، إلا أنها عصا قصيرة في مكانها، أي وزارة التربية، ولا تمتد إلى بقية وزارات ومؤسسات الدولة الخاصة والعامة، ولا تصل إلى سلوك الأفراد، وهي أيضاً عصا محدودة الأثر في زمانها، أي فترة الامتحانات، أما في عمر الدولة الممتد فلا توجد هذه العصا للضرب على أيدي الغشاشين، وإنما هناك الجزرة أو الكعكة التي يكافأون بها، وتقتصر مهام عصا التأديب والزجر على المخلصين، الصادقين من حزب المنسيين.عرفت ويكيبيديا الغش Cheating بأنه ممارسة نهج لا أخلاقي للحصول على أهداف معينة، وعادة ما يستغل للحصول على ميزة معينة في وضع تنافسي محدد، إذن –حسب ويكيبيديا الإنكليزية- يصبح الغش أداة للحصول على مكاسب ومنافع بوسائل لا أخلاقية، ويكسر القواعد المعروفة.
حدث غش في امتحانات الطلبة، وضرب الوزير، وقد يتعلم وقد لا يتعلم الغير الذين تضج من كثرتهم ساحة الوطن من صفعة الوزير. فمثلاً، كيف يمكن أن يتعلم "الأخلاق" هؤلاء الذين حصلوا على شهادات عالية من جامعات وكليات وضيعة، الشهادة لها سعر مادي معلوم، والطريق إليها سهل وممهد، ووزارة التربية قد تضع بعض العراقيل لخريجي جامعات وكليات "أي كلام"، لكنها في النهاية ترضخ للضغوطات الشعبية وغير الشعبية لأمراء ومافيات الغش.أيضاً بقية الوزارات تجد نفسها ملزمة بقبول المتخرجين من جامعات الغش للأسباب السابقة، وما دامت الأرض الكويتية تنز نفطاً وريعاً، فلا يعني شيئاً أن تكون حاصلاً على الدكتوراه في القانون من هارفرد، أو حاصلاً على شهادة قانونية من كلية أو جامعة الثلاث ورقات، فكلها عند مسؤولي السلطة "صابون"، فالغش حلال، طالما أنه لا يلامس أمن النظام الحاكم. الغش هو عمل انتهازي، هو اغتنام الفرصة دون وجه حق كي يكسب الغشاش على حساب الضحية، وهو الأمين الذي لم يغش، وعلى حساب مستقبل وطنه وأمته حين يزوّر الغشاش واقعه، ويظهره بصورة غير حقيقية ويصعد سلالم الغش، عتبة بعد أخرى، يتلو في صعوده الهابط كلمات النفاق والدجل، ويصبها في آذان أولياء النعم "لزوم الفرفشة" والرضى عندهم، حتى يصل إلى الأعلى، أي قمم المال والسلطة.الغش، هو عمل أناني صرف. حين يستبعد الغشاش الآخرين غير الغشاشين من مضمار المنافسة الشريفة، وينصب عليهم، ويفتك بهم نفسياً، عندما تزين قلادة النجاح الكاذب صدره، بينما يبقى المنسيون تائهين في صحاري اللاجدوى من الجهد والعمل الجاد والإخلاص، يعملون تحت مظلة نظام سياسي محدود الفكر، تتمحور ثقافته بكلمتي "كله صابون".كم نظلم هذا أو ذاك الطالب أو الطالبة اللذين غشا في الامتحان، وكم نقسو على هذا أو ذاك المدرس أو الموجه حين يسهلان منهج الغش، فليسوا هم وحدهم من يغش، فالدولة برمتها، ومن ألفها إلى يائها تقوم على ثقافة الغش وتوأمها أخلاق الرشوة، فالموظف الذي لا يعمل، ويعتمد على غيره في إنجاز واجبه يغش، وفي التجارة يصبح الغش سلوكاً عادياً، ولو حاربته القوانين التجارية، لأنه بغير الغش والرشوة يستحيل على هذا التاجر أن يحيا بتجارة النزاهة والشرف في عالم التجار الغشاشين. والنائب الذي وصل إلى مجلس الأمة من خلال غياب الشرعية الدستورية، وعبر المال السياسي هو غشاش.والمسؤول الذي يداهن رؤساءه، ويسكت عن الخطأ في مهام عمله، حتى يطول به البقاء في منصب النعم، هو غشاش، فهو يردد، دائماً، عبارات، أضحت جزءاً من اللاوعي الاجتماعي العام مثل: "حالي من حال غيري" أو يقنع نفسه بحكمة "إن لم تكن ذئباً غشاشاً فستأكلك ذئاب الغشاشين". والوزير الذي "يصهين" على الخطأ ويجاري الوضع العام، ويفتح أبواب المحسوبية والواسطة على حساب حكم القانون والأخلاق يعد غشاشاً...! من أين نبدأ وأين ننتهي بالحديث عن الغش في عصر الغش الكبير، فالدولة اليوم تحيا في مستنقع الغش، ولا يبدو أن أهلها يشعرون بلسعات بعوضه القاتلة.