لم تحمل العلاقة الحكومية - النيابية أي جديد على مر المجالس والحكومات السابقة، فالتوتر الذي يخيم عليها منذ البداية أصبح سمة متلازمة بعد كل جلسة أداء قسم، ومهما اختلفت أسماء الوزراء والنواب، لكن هناك دائماً مجموعة ترى في التصعيد السياسي وتفعيل الأدوات الدستورية مدخلاً مبكراً لإسقاط الحكومة أو إجبارها على تعديل وزاري، أو الدفع باتجاه حل مجلس الأمة لهدف ما.

Ad

مؤشرات الاستقرار السياسي حالياً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تغلب عليها حالة ترقب من الأغلبية النيابية، قبيل بدء دور الانعقاد المقبل، وتلفها وعود مبكرة استهدفت رئيس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك استجواباً تارة، ومطالبات بتنحيه عن المنصب تارة أخرى، ومن جانب آخر تخيم عليها الأحاديث والتخمينات عن تغير جزئي في تركيبة المجلس بخروج نواب ودخول آخرين، بعد تسرب نتائج وزارة الداخلية لجمع المحاضر الانتخابية.

ولا يغيب عن أجواء هذه المؤشرات ما هو أمام السلطتين من إرث سابق لقضايا لم تجد لها حلولاً أو تعاملاً سليماً من الحكومات والمجالس السابقة، معظمها متعلق بحياة المواطنين والمقيمين، وبعضها الآخر تشريعات سياسية واقتصادية تنموية وإصلاحية، ظلت حبيسة أدراج اللجان الوزارية والنيابية عقوداً من الزمن نتيجة الصراعات المتكررة.

ورغم أن الحديث مازال مبكراً عن خارطة المجلس الجديد وتركيبة أعضائه وكتله النيابية، فإنه يمكن تلمس كتلة معارضة لرئاستي الحكومة والبرلمان بشخصيهما تحديداً، وهي مجموعة سيطرت على المجلس المبطل الثاني وأصبحت أغلبية فيه، وخسرت جميع مكاسبها في الانتخابات الأخيرة وتحولت إلى أقلية مشاكسة دون نفوذ.

وتتزعم تلك الكتلة - كما يبدو مؤقتاً - النائبة صفاء الهاشم، التي فتحت نيرانها مبكراً على الرئاستين ومعظم الوزراء، وينتظر أن تقدم استجوابين: الأول لرئيس الوزراء والثاني لوزيرة التنمية د. رولا دشتي، وعلى مسافة قريبة منها هناك استجواب النائب فيصل الدويسان للمبارك أيضاً، بعد أن قدمه في المجلس المبطل السابق لوزير الداخلية السابق، وسحبه في جلسة مناقشته.

وإن كان المحرك الأول لتلك الكتلة دوافع سياسية برداء الإصلاحات، فإن رئيس الوزراء وفريقه الحكومي أمام مواجهة أخرى، بوابتها الإصلاحات المطلوبة وفقاً لأولويات المجلس التي حددها استبيانه، وعلى رأسها القضية الإسكانية، فتلك المطالبات والأولويات تركة قديمة تتوارثها الحكومات والمجالس، وكرات أزمات تكبر مع الوقت لفشل حكومات ومجالس سابقة، ومعرضة لأن تكون مشاريع تصعيد "مستحقة" إن فشلت الحكومة في التعامل معها، وتقديم حلول واقعية ملموسة، سواء على المدى المتوسط أو البعيد، ولعل هذه المواجهة ستكون الأصعب، لأنها تمثل اتفاقاً نيابياً من حولها، مدعوماً بسخط شعبي من تراجع الخدمات العامة.

ويعلق مراقبون على الحالة السياسية الكويتية بالقول: "إن الإصلاح يتطلب توفير بيئة سياسية مستقرة أولاً، ورغبة حقيقية في التعاون بين السلطتين لوضع الحلول وتشريعها، وجهاز إداري قادر على تحمل مسؤولياته في التطبيق"، لافتين إلى أن العلاقات الحكومية - البرلمانية لن تشهد استقراراً خارج هذا الإطار.

الشارع الشعبي من جهته سئم توتر العلاقة بين السلطتين في المراحل السابقة، وانعكاس عدم الاستقرار على مستقبله، وتأخر المشاريع المرتبطة بحياته اليومية، ومثله مثل النواب والوزراء والسياسيين ينتظر بداية دور الانعقاد المقبل وما يحمله من مفاجآت، سواء على مستوى التصعيد أو الإنجاز، فإما استقراراً تتبعه إصلاحات وإما استمرار التصعيد والعودة إلى المربع الأول.