حراس روسيا الجدد المشاعر المعادية للوافدين ترسم المشهد السياسي

نشر في 11-03-2013
آخر تحديث 11-03-2013 | 00:01
No Image Caption
صرخ أحد الأشخاص: «تفتيش!». فانتفضت النادلات وعاملات التنظيف السمراوات فوراً وسارعن إلى الباب الخلفي من المطعم وكان الرعب ظاهراً في عيونهنّ. راح رئيس الطهاة يدفع بعض موظفيه غير الشرعيين تحت طاولة مكتبه (وحتى داخل ثلاجة المطبخ). حين وصل المفتش، طلب تناول فطيرة جبن (مجاناً طبعاً). فيما كان يأكل، أكد لجميع السامعين أنه يشم رائحة الوافدين مثل «الفئران» وأنه سيتابع مطاردتهم حتماً. إنه مشهد من برنامج «المطبخ»، مسلسل تلفزيوني روسي شهير يرتكز على كواليس الحياة في مطعم يعج بعاملين غير شرعيين في موسكو. التفاصيل من «فوراين بوليسي».
قد يكون برنامج «المطبخ» الروسي خيالياً ولكنه يعكس بكل دقة نشوء نزعة شوفينية جديدة في روسيا، أي ما يسميه الإيديولوجيون في الكرملين بداية «تجدد الحس الوطني الذي طال انتظاره». في أحد أيام شهر نوفمبر الماضي، تفاجأ سكان موسكو حين كانوا في طريقهم إلى عملهم فشاهدوا عدداً من القوزاق من أصحاب الوجوه المستديرة، وكانوا يرتدون زياً موحداً باللون الأزرق الداكن ويعتمرون قبعات طويلة مصنوعة من جلد الغنم ويُجرون دوريات في محطة قطار في وسط مدينة موسكو. لكن لم يسبّب مظهرهم موجة من السخط بل حصل عكس ذلك. بدأ معظم سكان موسكو يتذمرون من نقص عدد القوزاق مقابل آلاف الوافدين غير الشرعيين في المدينة.

يد عاملة رخيصة

أدى ازدهار الاقتصاد في موسكو إلى تعطّش السوق إلى اليد العاملة الرخيصة. نتيجةً لذلك، تدفّق سيل من الوافدين من جمهوريات أخرى كانت تنتمي سابقاً إلى الاتحاد السوفياتي، لا سيما من أوكرانيا ودول آسيا الوسطى التي تشهد جموداً اقتصادياً مثل أوزبكستان وطاجيكستان. صحيح أن السلطات تدعي معارضة تدفق الوافدين، لكنها لم تحرك ساكناً لتغيير المنطق القوي وراء توافد المهاجرين. في عام 2011، خفّضت الحكومة الروسية حصة العمّال الوافدين بـ163 ألف شخص فأصبح عددهم يقتصر على 1،2 مليون نسمة. لكن خلال هذا الشهر، ذكرت السلطات أن أكثر من ثلاثة ملايين أجنبي يعيشون ويعملون في روسيا بطريقة غير قانونية.

بغض النظر عن أسباب الظاهرة، من الواضح أن «خدمة الهجرة الفدرالية» تفشل في إحكام قبضتها على العمال الأجانب غير الشرعيين. لكن نظراً إلى الضجة التي تحيط بمفهوم النزعة القومية في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، يتوق عدد كبير من الروس إلى مطاردة عمّال البناء الفقراء لكن المجتهدين من أوزبكستان، وعاملات التنظيف الفيليبينيات، وعاملي النظافة في الشوارع من طاجيكستان، لإخراجهم من البلد. لذا عندما دعت الحكومة الفدرالية المواطنين العاديين إلى إجراء دوريات في أنحاء البلد هذا الأسبوع، عبّر مئات المتطوعين عن استعدادهم للمشاركة.

لكن ممن يتألف الوطنيون الذين أبدوا استعدادهم لتقديم المساعدة؟ أحدهم هو ديمتري ديموشكين، زعيم حركة قومية (والزعيم السابق لحزب يميني متطرف تم حظره الآن)، وقد شرح لوكالة «إنترفاكس» أن الناشطين التابعين له شعروا بالسرور لأنهم سيصبحون جزءاً من هذا النوع من الدوريات الشعبية. وفق استطلاعات الرأي، ثمة 20 ألف ناشط مشارك ضمن الجماعات اليمينية المتطرفة وهم سيرغبون حتماً في التسبب بالمشاكل للأجانب الموجودين في أنحاء البلد، ويرتفع عدد الروس الذين يتعاطفون مع أفكارهم. أعلن مركز «ليفادا» المرموق أن 58% من الروس عبّروا عن دعمهم لشعار القوميين «روسيا للروس!».

منذ بضع سنوات، كتبتُ عن حصول تدريب شبه عسكري للناشطين التابعين لديموشكين في كولومنا، منطقة فقيرة في ضواحي موسكو. قطعنا مسافة ميل تقريباً في عمق الغابات الثلجية. أثبت القوميون خلال عمليات التمويه في فصل الشتاء أنهم على مستوى عالٍ من التنظيم. أخرج البعض أسلحة كلاشنكوف ومسدسات وسكاكين ووزعوها على قطعة من القماش. سارع البعض الآخر إلى فتح يافطة حمراء طويلة كُتب عليها «القوة السلافية». طوال ساعتين، راح نائب ديموشكين، ديمتري باخاريف، يعلّم هؤلاء الشبان الغاضبين (في العشرينات من عمرهم ومن سكان الضواحي) كيفية المحاربة بالسكاكين والتنقل في الغابة بالمسدسات. الهدف من ذلك الاستعداد لـ»تطهير» البلد دفاعاً عن العرق الروسي الأصيل.

حلفاء

كانت هذه الحصص التدريبية ممارسات اعتيادية بالنسبة إلى الناشطين في الحركة القومية خلال السنوات الإثنتي عشرة الماضية. في مقابلة داخل حانة في مقاطعة نائية من موسكو، أخبرني ديموشكين: «أنصح أعضاء الكرملين ببدء الحوار معنا قبل أن يفوت الأوان، إذ لدينا حلفاء في الجيش والشرطة وفي جهاز الأمن الاتحادي الروسي، وإلا سنحضّر انقلاباً. هذه الحكومة تثبت عجزها الكامل». طوال سنوات، خرج آلاف القوميين الذين يرتدون أقنعة سوداء للمشاركة في مسيرات ضد بوتين في شوارع أكبر المدن الروسية. كانت تلك التحركات التي حملت اسم «المسيرات الروسية» ضد الوافدين تطالب بمبادرة من الكرملين. يبدو أن المبادرة الراهنة لمعاداة الوافدين تعكس تنازلاً لهذه القوى.

يشكّل اقتراح «دوريات الشعب» جزءاً من حزمة تنظيمات أخرى على الطريقة السوفياتية بهدف تشديد القواعد التي تفرض تسجيل الشرطة في عناوين معينة وقانوناً ضد المثليين. قال ألكسندر فيركوفسكي، مدير مركز «سوفا» (جمعية تراقب ظاهرة كره الأجانب والعنف الإثني): «لا يعني ذلك تجديد الحس الوطني بل تجديد النزعة القومية لأن الدوريات تستهدف بكل وضوح عدواً ملموساً: جماعات إثنية معينة». يصف أحدث استطلاع أجراه مركز «سوفا» حوالى 200 حالة من الاعتداءات الناجمة بكل وضوح عن كره الأجانب. يؤكد الخبراء في المركز على وجود أدلة واضحة على انتشار نزعة نحو الأسوأ.

تتذكر فئة واسعة من الروس حتى الآن الدوريات في الحقبة السوفياتية بقيادة «ميليشيا الشعب» التي كانت تتألف في العادة من طلاب المدارس الثانوية أو الجامعات. كانوا يضعون شارات حمراء ويمشون في الشوارع للحفاظ على النظام في عيد العمّال وعطلات رسمية أخرى. لا يشعر الجميع بالحماسة تجاه تجدد الدوريات التطوعية، سواء تألفت من القوزاق أو السوفيات. وافق 3% فقط من المستمعين الليبراليين في معظمهم لإذاعة «صدى موسكو» على مفهوم الدوريات الجديدة في الشوارع. عبّر المستمعون عن قلقهم من أن يستغل المفتشون المتطوعون الفرصة لقمع أي شخص يريدونه، بما في ذلك الأزواج المثليون أو مختلف الجماعات الاجتماعية التي لا تلتزم بالنظام السائد.

لكن يرحب الروس في المناطق الجنوبية مثل كراسنودار وستافروبول بفكرة أن يحرس القوميون شوارعهم. اليوم، يتجول 300 عامل مدرّب من القوزاق مرتدين الزي الأحمر والأسود التقليدي في شوارع كراسنودار. يحرس القوزاق المنتزه العام والكنيسة الرئيسة في ستافروبول وهم يمتطون الخيول، وأمر الحاكم هناك حديثاً بإنشاء شرطة محترفة جديدة تتألف من 150 عنصراً من جماعات القوزاق على أن يتسلحوا بسكاكين تقليدية وسياط ومسدسات الصواعق. لم يتضح بعد ما إذا كانوا مخوّلين استعمال السياط ضد المواطنين. قال فلاديمير نيستيروف، رئيس اتحاد المنظمات السلافية: «أخيراً، سيستلم القوزاق زمام الوضع. هدفنا جعل الأجانب يفهمون أن الوقت حان للانسحاب من المدن الروسية التقليدية».

أنا نمتسوفا

back to top