موضوع علاقة المثقف بالسلطة ليس بالموضوع الجديد في المشهد الثقافي العربي، فبحث صغير عبر موقع "غوغل" سيعود على الطالب بالعشرات وربما المئات من روابط المقالات والمواقع التي تناولته من زواياه المختلفة، لكنني أعتقد أن للمثقف الخليجي خصوصية عن أخيه العربي تستحق التفاتة ولو على عجالة.
وحين أقول إن للمثقف الخليجي خصوصية ما فلا أعني أبدا تميزه على مستوى الإبداع أو المستوى الثقافي عن غيره، ولكنني أشير إلى خصوصية راجعة لاختلاف المناخ الثقافي في دول الخليج العربي نتيجة للبحبوحة الاقتصادية النفطية التي ترفل بها دول الخليج بشكل عام، ونتيجة لمناخ الحكم المسيطر على كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية بشكل يكاد يقترب من المطلق في هذه الدول، والمراد سيتوضح أكثر على كل حال في السطور اللاحقة.المشهد الثقافي الخليجي هو مشهد حكومي-سلطوي باقتدار، اللهم إلا استثناءات متواضعة بسيطة، سواء من حيث الإمكانات أو من حيث الحجم وبالتالي من حيث القيمة والأهمية، تأتي كالشذوذ الذي يثبت القاعدة، والمقصود هو أن الفعاليات الثقافية المؤثرة هي من تخطيط وتنفيذ ورعاية السلطة عبر أجهزتها الحكومية، والإعلام المتابع للحركة الثقافية، الحكومية السلطوية أصلا، غالبا ما تحركه يد السلطة من خلال أجهزتها المختلفة، والجوائز الثقافية المرموقة غالبا ما تكون ممنوحة من قبل السلطة كذلك، وهكذا تباعا.ولهذا فإن المثقف الخليجي اليوم ليس أمامه، هذا إن كان من المهتمين بالظهور والبروز في المشهد الثقافي، إلا واحدا من خيارين: إما أن يكون من حراس السلطة أو من مشجعيها المسبحين بحمدها أو من المبررين لأفعالها وتصرفاتها على أقل تقدير، وذلك كي ينال رضاها فيصبح من أصحاب الحظوة، بغض النظر عن مدى إبداعه وتميزه، وإما أن يكون محايدا تجاه تصرفاتها وأفعالها مشيحا بوجهه إلى الناحية الأخرى صامتا تماما عن الحديث عنها سواء بالخير أو الشر، ليغامر مع ذلك بحظوظه في الظهور والانتشار. وأما خيار أن يكون معارضا رافضا أو منتقدا لسياسات السلطة وأفعالها وتصرفاتها، أو حتى معترضا على نهجها وأخطائها، فإنه خيار سيكلف المثقف الخليجي كل حظوظه في المضمار الثقافي وكل فرصه للظهور إعلاميا لأن هذه المجالات، كما أسلفنا، مسيطر عليها من قبل السلطة الخليجية، بل قد يتجاوز الأمر ذلك وصولا إلى التضييق عليه في وظيفته ومعيشته وربما محاسبته أو حتى أبعد منها!هذه الظروف جعلت من المشهد الثقافي الخليجي مشهدا ملتبسا لا يمكن الركون إليه، فمشهد مقيد بهذه الطريقة للمشيئة السلطوية الحكومية لا يعقل أن يكون مشهدا حرا نقيا صادقا مئة في المئة وإنما العكس!وأنا هنا، وما دمت ذكرت الشك، وسأختم بهذا، لا أشكك في إبداع أي مثقف خليجي قريب من السلطة، أولا لأن مسح الجوخ أو التزلف للسلطات والحكومات، في أي مكان في العالم وليس في الخليج وحده، لا يتناقض بالضرورة مع الإبداع، وثانيا لأن هذا ليس من اهتمامي، ولكن المهم عندي هو أن تستقر في وجدان القارئ حقيقة أن هناك العشرات من المثقفين الخليجيين المبدعين قد حرموا الفرصة اليوم من الظهور والبروز وتم تجاوزهم وحجب ما يستحقونه من ظهور وتكريم واحتفاء بسبب مواقفهم السياسية المعارضة واختيارهم بكل شجاعة أن يقفوا في وجه الحكومات أو بعيدا عنها على الأقل!
مقالات
المثقف الخليجي والسلطة!
12-03-2013