أشباح الحرب القادمة!
إذا نجح النظام السوري في تحقيق أي انتصار عسكري ولو رمزياً مثل استهداف القوات الأميركية أو إسقاط طائراتها، أو استيعاب الضربة واحتوائها فهذا سوف يزيل ما تبقى من ماء وجه أميركا وهيبتها الدولية، الأمر الذي يعني الإعلان عن نواة نظام عالمي جديد بالفعل.
الحرب الجديدة على سورية، وقد تكون قد بدأت مع نشر هذا المقال، هي استمرار لتقلبات الوضع الإقليمي والدولي قبل إرساء النظام العالمي الجديد، ولكن في رأيي أن سيناريوهات الضربة المحتلمة ضد سورية ونتائجها سوف تعقد الأوضاع أكثر وأكثر بسبب التناقضات والتقاطعات المتداخلة والمتضاربة معاً.وإذا كانت الضربة الأميركية مجرد حالة تأديبية للنظام السوري على خلفية استخدام السلاح الكيماوي، فقد يساهم ذلك في تعزيز وضع النظام والتعاطف الدولي معه بمجرد إظهار صور الدمار والقتلى من المدنيين ومنهم الأطفال والنساء، لتستمر مع هذا الوضع حالة التأزيم الإقليمي ولكن بعمق أكثر وتتواصل الحرب الداخلية مع المعارضة المسلحة لتأخذ طابعاً شرساً جديداً.
وإذا كانت الضربة بمنزلة تكرار سيناريو ليبيا، حيث توفر الغطاء الجوي مع شل مراكز القيادة والسيطرة النظامية لزحف المقاتلين براً على المدن الكبيرة خصوصاً دمشق، فقد يؤول ذلك إلى حرب أهلية حقيقية بمساندة إقليمية ودولية قد يهدد بقاء الدولة السورية. أما إذا كانت الضربة موجهة لإسقاط النظام فقد تفتح سيناريوهات البدائل على مصراعيها، حيث إن المرشح الأقوى لتولي السلطة هم الجماعات السياسية الدينية بقيادة "الإخوان المسلمين"، وهذا ما لا تقبله الكثير من دول المنطقة وفي مقدمتها الخليج ومصر، الأمر الذي قد يعيد أجواء التجربة المصرية وضرورة قيام ثورة تصحيحية أخرى لن تخلو هي الأخرى من الخسائر والدمار.وفي المقابل إذا نجح النظام السوري في تحقيق أي انتصار عسكري ولو رمزياً مثل استهداف القوات الأميركية أو إسقاط طائراتها، أو استيعاب الضربة واحتوائها فهذا سوف يزيل ما تبقى من ماء وجه أميركا وهيبتها الدولية، الأمر الذي يعني الإعلان عن نواة نظام عالمي جديد بالفعل، وأي مفهوم لنظام جديد بالتأكيد سوف تسبقه إرهاصات جذرية، ومنها احتمال اندلاع حرب إقليمية شاملة، خصوصاً في حالة استهداف إسرائيل ودخول دول المنطقة مثل إيران والأردن والفصائل اللبنانية وحتى دول الخليج وروسيا وتركيا على خط المواجهة، ولعل هذا هو السيناريو الأصعب والأخطر الذي لربما يغير وجه التاريخ الحديث.وهذه سُنّة طبيعية من سنن العلاقات السياسية الدولية عندما تتغلب معادلات القوة على الحلول السياسية والدبلوماسية ولا تقبل الأطراف المتعاندة إلا بالمعادلة الصفرية؛ وهي تحقيق مكسب حقيقي على حساب خسارة حقيقية للطرف الآخر.والمأساة الحقيقية أن المنطقة العربية هي ساحة الصراع الإقليمي الدولي اليوم، وهي مسرح الجريمة، وهي مآل الدمار، وشعبها سيكون وقود هذه النار في تجربة مكررة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والعرب آخر من يعتبر!