القوى اللبنانية تتسابق إلى قطف الثمار السياسية للقضاء على الأسير
مع انتهاء حالة الشيخ أحمد الأسير عسكرياً من خلال العملية التي نفذها الجيش اللبناني ضد المربع الأمني الذي كان يتحصن فيه عسكرياً وسياسياً وإعلامياً وشعبياً في منطقة عبرا إلى الشرق من مدينة صيدا الجنوبية، انتقلت التجاذبات على الساحة السياسية اللبنانية من مرحلة التراشق بـ"المستفيد من حالة الأسير" والمسؤول عن تغذيتها ودعمها وتغطيتها، إلى مرحلة التجاذبات بشأن الاستفادة سياسياً وإعلامياً وشعبياً من نتائج العملية العسكرية التي نفذها الجيش.ويبدو واضحاً من ردات فعل الساعات الثماني والأربعين الماضية أن كل اللاعبين على الساحة اللبنانية يبذلون ما في وسعهم من أجل قطف الثمار السياسية للعملية العسكرية التي نفذها الجيش، كلٌّ بما يخدم استراتيجيته ويعزز أوراقه في مواجهة الآخر.
فالواضح من المواقف والتصريحات والاجتماعات والتحركات أن "قوى 14 آذار" تتحرك في اتجاه السعي إلى تحقيق الأهداف الآتية:1- الاستفادة من "الالتفاف الشعبي" حول الجيش اللبناني في محاولة لتوسيع هذا الالتفاف بحيث يشمل مؤسسات الدولة اللبنانية الدستورية وفي مقدمتها مجلس الوزراء. وبرزت في هذا الإطار الدعوات الى الاستفادة من الدفع الشعبي والسياسي الذي تلقاه "منطق الدولة" في مواجهة الأسير ومجموعته المسلحة لإعطاء دفع لعملية تشكيل الحكومة التي يسعى اليها الرئيس المكلف تمام سلام، على أمل أن تأتي تركيبة الحكومة وفقاً لما يتمسك به سلام وهو ما يعد مكسباً لـ "14 آذار" التي تكون في هذه الحالة نجحت في تحقيق شعار من شعاراتها بعد سنوات لم تتمكن خلالها من ترجمة أي من شعاراتها ومطالبها على أرض الواقع.2- مبادرة رئيس تيار المستقبل في أول رد فعل له على معارك صيدا الى دعم الجيش اللبناني وتأمين الغطاء السياسي السني لتحركه الميداني، بما يسمح لتيار المستقبل بالتخلص من بعض الحالات المتطرفة التي كانت قد بدأت تقضم من شعبيته على أرض الواقع. والملاحظ أن الحريري ومعه تيار المستقبل تجاوزا، ولو مرحلياً، التحفظات التي يبديانها عادة على ما يعتبرانه "تعاطفاً واضحاً" بين قيادة الجيش و"حزب الله" وتغطية لتحركاته أو غض طرف عن قضمه العسكري والأمني المتراكم للجغرافيا اللبنانية. وذهب الحريري الى حد الدعوة الى الإسراع في التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي في محاولة لقطع الطريق على استبداله، بعد إحالته الى التقاعد، بضابط من الجيش أقرب الى "قوى 8 آذار" من قهوجي، خصوصاً في ظل سعي رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون الى إيصال صهره العميد شامل روكز القائد الحالي لفوج المغاوير الى قيادة الجيش. وهو ما يفسر مسارعة عون الى اعتبار أن صرف النتائج السياسية للعملية العسكرية للجيش هي حق لمن هم اليوم في الحكومة وليس من حق أي فريق آخر. 3- رفع رئيس كتلة نواب تيار المستقبل الرئيس فؤاد السنيورة ونواب التيار وقادته شعار ضرورة متابعة الجيش عملية ضبط الوضع على الأرض في صيدا من خلال إخراج "سرايا المقاومة" من المدينة، وإقفال الشقق الأمنية التي يستخدمها "حزب الله" في بعض مناطق قضاء صيدا كمراكز عسكرية للرصد والمتابعة والتجمع والانطلاق في مهمات أمنية وعسكرية داخلية لا علاقة لها بأعمال المقاومة ضد إسرائيل. أما على الساحة السنية فإن الحركات الأصولية والسلفية تسعى الى الاستفادة من "موجة" النقمة الشعبية السنية على ما تعتبره هذه الحركات انحيازاً من الجيش الى "حزب الله"، من أجل تعزيز موقعها الشعبي ومنع تحويل القضاء على ظاهرة الأسير بداية انهيار لتركيبتها وحضورها في المناطق اللبنانية كافة.وفي هذا الإطار، بدأت الروايات عن تكرار لسيناريو "القصير السورية" في عبرا، من خلال اتهام الجيش اللبناني و"حزب الله" بأنهما نفذا عملية عسكرية مشتركة كان للحزب وحلفائه فيها الدور الأساسي قصفاً وتطويقاً وانتشاراً. وتستخدم القوى السلفية وتجمع العلماء المسلمين هذه الرواية من أجل الإبقاء على حالة التعبئة الشعبية في مواجهة "حزب الله" والجيش، في ظل توقعات لهذه القوى بنقل "حزب الله" معركته ضد القوى السنية الى مواقع أخرى. وهم يرشحون لذلك بعد ما شهدته مدينة طرابلس الشمالية ومدينة صيدا الجنوبية، وبلدة عرسال السنية البقاعية.في المقابل، فإن "حزب الله"، الذي لزم جانب الصمت خلال المعارك تاركاً للجيش مهمة المواجهة الميدانية والإعلامية، خرج عن صمته بعد انتهاء المعارك، معتبراً أن ما شهدته صيدا كان مؤامرة تستهدف الجيش. ويسعى الحزب من خلال هذه السياسة الى قطع الطريق على الحركات السلفية في محاولتها لتعبئة الشارع السني في مواجهته، علماً أن مثل هذه التعبئة في حال نجاحها من شأنها أن تشكل إحراجاً لحلفاء الحزب على الساحة السنية، وحشراً للجيش في مواجهة الطائفة السنية لا بد أن ينعكس، ولو شكلاً، على الغطاء الذي يؤمنه الجيش لكثير من تحركات "حزب الله" العسكرية في لبنان وسورية. ويذكر أن القراءات السياسية لخلفيات ما شهدته مدينة صيدا من معارك عسكرية وأبعادها تشعبت بدورها. ومن أبرز ما تم التداول به في لبنان في هذا الإطار:1- انعكاس التغيير في رأس السلطة في دولة قطر على حلفاء قطر المحليين في لبنان، وفي مقدمتهم الشيخ أحمد الأسير، الذي بات من دون غطاء بعد انتقال السلطة في الدوحة الى الشيخ تميم.2- انعكاس القرار الغربي بتسليح المعارضة السورية شرط القضاء على الحركات الأصولية المتطرفة في مناطق سيطرة المعارضة السورية، على الساحة اللبنانية التي باتت تعتبر امتداداً للساحة السورية، وهو ما استدعى رفع الغطاء عن حركة الأسير في رسالة الى بقية الأطراف المتشددة على الساحة الإسلامية اللبنانية بضرورة الانكفاء.3- تشبيه ما شهدته بلدة عبرا عشية الانتخابات الرئاسية المقبلة في مايو المقبل، بما سبق أن شهده مخيم نهر البارد عشية الانتخابات الرئاسية الماضية. ويرى أصحاب هذه النظرية أنه كما أن العماد ميشال سليمان الذي انتزع سياسياً ورقة الترشيح للرئاسة من خلال معركة مخيم نهر البارد ضد فتح الإسلام بقيادة شاكر العبسي، فإن العماد جان قهوجي انتزع من خلال معركة عبرا ضد الشيخ أحمد الأسير ورقة التمديد له في قيادة الجيش، وبالتالي فإن ورقة ترشحه لرئاسة الجمهورية في انتظار حدث عسكري مستقبلي يؤدي الى انتخابه رئيسا للجمهورية كما أدت عملية 7 مايو 2008 الى انتخاب قائد الجيش السابق ميشال سليمان رئيساً.