"الإخوان" كتنظيم سياسي تم الاحتفاء به من السلطة ورعايته وفسح المجال أمام أنشطته، وساهم في ذلك أيضاً انحسار المد الوطني وتهميشه. بالنسبة لأبناء جيل الثمانينيات -أمثالي- شهدنا التحول في الاتحاد الوطني لطلبة جامعة الكويت لمصلحة حركة الإخوان السياسية، والذي سيطرت عليه حتى وقتنا الحالي، قد بدأ قبل سنتين أو ثلاث من التحاقنا بالجامعة. وفي إحدى الحملات الانتخابية للجامعة كان أحد كوادر "الإخوان" يقف أمام قصاصات لمجلة الاتحاد في عهد الاتحاد السابق لحركة الإخوان، ويعلّق على مقال بعنوان "القافلة تسير والكلاب تنبح" ولا شيء غير ذلك سوى اسم كاتب المقال الزميل المهندس حسام الطاحوس في أسفل المقال. أما جسد المقال فكان عبارة عن صفحة سوداء. تحدث الشاب الملتحي عن المقال وقال إنه قام بتظليله حتى يستر الإساءات التي وردت فيه والتي تدل على مستوى أخلاق كاتبه ونهج الوسط الديمقراطي الذي ينتمي إليه. وفجأة تقدم الزميل الطاحوس الذي كان واقفاً يستمع لشرح الكادر الإخواني. طلب الطاحوس من الشاب الملتحي نسخة من المقال ورفض متعذراً بأن الألفاظ الواردة لا تليق أمام الشباب والشابات الحاضرين. فقال الطاحوس: أنا كاتب المقال حسام الطاحوس، ومن حق الحضور أن يعرفوا ما كتبت من إساءة. فأسقط بيد الرجل ولم يجد ما يقول. إلا أن الزميل الطاحوس أوضح للحاضرين أن المقال كان كما هو ليس فيه سوى العنوان، وكانت تلك آخر مقالة كتبها قبل تسلّم "الإخوان" زعامة اتحاد الطلبة.

Ad

تذكرت هذه الحادثة وأنا أستمع إلى خطابات جماعة الإخوان المتظاهرين أما مسجد رابعة العدوية. كان أحد الخطباء يقول لمؤيديه: إن هذا الميدان يضم مجاميع من المؤمنين المتوضئين، بينما الميدان الآخر يضم مجموعة من السكارى والمخمورين. ونفهم من ذلك بكل بساطة أننا هنا أمام مجموعة من المؤمنين تقابلها مجموعة أخرى من الكفرة والملحدين. هكذا هو الخطاب الإخواني منذ بداياته الأولى لا يخالفهم إلا كافر، ولا يصوت ضدهم إلا زنديق مارق لا يعرف الدين. يطرحون خطاباً سياسياً يحتمل الخطأ والصواب، ويحتمل الاتفاق والاختلاف، ولكن فجأة يخلطون بين خطابهم السياسي الذي قد لا نتفق معه، والخطاب الديني الذي يرتدون إليه بسرعة في حال الاختلاف معهم.

الإخوان لم ينجحوا خلال حقبة أيام الازدهار في تخطي البناء الأفقي ووقعوا بين منافسين عظيمين هما السلف والليبراليين، تفوق الأول عليهم بوضوح الخطاب الديني، وتفوق الثاني عليهم في الخطاب الفكري والسياسي والمدني، بينما اكتفوا هم بالتفوق التنظيمي الذي كانت له أسباب جوهرية، أهمها الاحتواء المالي الذي وفرته لهم الدول النفطية ورؤوس الأموال التي تنتمي إليهم. ومتى خسروا هذه الموارد المالية ارتبك تنظيمهم وعاد أتباعهم إلى أحد المنافسين لهم.

لم يستطع الإخوان خلال الثمانين سنة من صعودهم إلى الحقل الاجتماعي والسياسي أن يقدموا سوى خطاب أحادي في الدين والسياسة، وحين جاءت فرصتهم للحكم واجهوا صعوبات لا يمكن حلها في مجتمع مدني متباين فكرياً وسياسياً ودينياً، وتصرفوا مع المجتمع كله بعقلية الحزب. لم يجدوا فكراً حقيقياً بإمكانه أن يكون ممثلاً للجميع ومحتوياً هذا التباين الكبير. ببساطة فشل الإخوان لتغييبهم مشروع الدولة المدنية من أدبياتهم. وكان سوء حظهم أن تكون تجربة الحكم الأولى لهم في مصر، وهي بلد متعدد الأديان والطوائف متشعب الأفكار لا يمكن تجييره لحزب ديني ذي نظرة أحادية إلا بالقوة، وهذه كانت بحاجة إلى وقت طويل قطعه المصريون في تمردهم الأخير.