يقول برهان غليون إن الديمقراطية لم تأتِ إلا نتاجاً للثورات، والثورة التي يقصدها لها محوران: محور اجتماعي، أي ثورة مجتمعية معنية بنضج المجتمعات واستيعابها للتغيير، وآخر سياسي يأتي بتحديث المؤسسات التشريعية وتطوير السلوكيات السياسية.

Ad

ولم يكن اندلاع ثورة أو انتفاضة الربيع العربي مكتملاً، حيث   اشتعلت بوقود البطالة وانعدام العدالة الاقتصادية، وصاحبتها بعض التغييرات الاجتماعية، لكنها توقفت عند التغيرات السياسية، ووقعت في مأزق جديد متمثل بـ"من يمسك بزمام كتابة الدستور؟":

 هل تأتي صناديق الاقتراع أولا لتفرز "جماعة" مهيمنة على الدستور غير عابئة بتراجع الحريات؟ أم يكتب الدستور أولاً بمشاركة أهل الرأي والمشورة؟ وهو ما دفع المصريين إلى استكمال ثورة يناير بثورة أخرى تصحيحية بتاريخ 30 يونيو، أي بعد مرور سنة على استلام "مرسي" والتحالفات الإسلامية إدارة الدولة، والمطالبة بعزله وإزالة شبح هيمنة الحزب الواحد وفتح المجال أمام التعددية.

وكنت قد كتبت خلال العام الماضي مجموعة مقالات عن الربيع  العربي، وأشرت أثناء رئاستي لندوة الربيع العربي وتداعياته التي أقامها الدكتور الرميحي في العام الماضي تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والفنون، أشرت إلى الحاجة لأن تعيش دول الربيع العربي ربيعاً تشريعياً جديداً بأسلوب جديد لمؤسساتها التشريعية والقانونية، وألا يترك الأمر لصناديق الاقتراع فقط.

 وقد عانت تونس ومصر آنذاك من استقطاب داخلي شديد مهد الطريق للتحالفات الإسلامية المنظمة بتشكيل أغلبية، والهيمنة على المشهد السياسي, أمام صمت المجتمع الدولي عن تراجع الحريات بحجة احترام نتائج صناديق الاقتراع, الأمر الذي تفادته ليبيا والمغرب، فأتت نظمهما الداخلية بنظام لا غالب ولا مغلوب أو محصلة صفرية، فلم يستطع أي حزب سياسي أن يهيمن على البرلمان ويصبح الأكثرية، وهو النموذج السياسي المطلوب.

وفي السياق ذاته هناك أخي القارئ مبدأ في السياسة الخارجية يطلق عليه "ذا سيناترا دوكترين" أي مبدأ "سيناترا" ويطلق على الدول التي تقوم بإصلاح نظمها بطريقتها الخاصة كروسيا ودول شرق أوروبا بعد الحرب الباردة، وقيامها بتصميم نظم ديمقراطية واقتصادية على طريقتها الخاصة، تماماً كأغنية فرانك سيناترا التي يقول فيها "ماي واي"، أي فعلتها بطريقتي الخاصة.

واليوم ينطبق النموذج على ديمقراطية العالم العربي لأنه فعلا يتم بطريقتنا الخاصة، وذلك عبر رفض ما جاءت به صناديق الاقتراع  بمصر من قوى مهيمنة، وإعادة تصميم النظام الانتخابي ليستوعب التعددية... وللحديث بقية.

كلمة أخيرة: له وجه ملائكي جميل وأخلاق عالية وقلب طفل, رحم الله الشاب عبدالوهاب وليد القنديل الذي وافته المنية في البحر عصر الأربعاء وألهم ذويه وأصدقاءه وزملاءه الصبر.

وكلمة أخرى: أتى فصل الصيف بنوادٍ رياضية مغلقة ومبادرات شبابية لسباق السيارات والدراجات المائية مؤجلة إلى أجل غير مسمى, وحفلات موسيقية هزيلة إلى متى؟ شيء جميل أن تستعين وزارة الشباب بوجوه شابة لكن الأجمل أن تنجز، ولا تقع في مأزق البيروقراطية والتصريحات المعلبة، بل أن تأتي بما هو جديد.

ومبارك عليكم جميعا الشهر الفضيل.