دراسة الأدب أكاديمياً والتخصص في مجال من مجالاته المتسعة لا تنتج بالضرورة لنا ناقداً معاصراً يواكب الحركة الأدبية ويتابع الإصدارات الحديثة، التي في أغلب الأحيان لا تندرج تحت تخصصه الأكاديمي. فالدارس للأدب الجاهلي وحامل الإجازة الجامعية فيه ليس بالضرورة ناقداً جيداً للشعر العربي الحديث، بل في أكثر الأحيان لا يرى فيه سوى غموض يصعب عليه إدراك شفراته وتحليل صوره. وذلك ليس عيباً في الشعر ولا عيباً في الدارس للأدب الجاهلي. نحن هنا أمام مدرستين مختلفتين في البيئة والمرجعية الثقافية والتطور الطبيعي للحركة الثقافية. وهو كذلك ليس ناقداً للقصة القصيرة والرواية والمسرحية أو قارئاً جيداً للوحة التشكيلية السوريالية، وليس مطلوباً منه أن يكون كذلك.

Ad

وسأضرب مثالاً بحادثة قديمة أيام النشاط الأدبي في الجامعة. كان الدكتور الفاضل أحمد الهيب أستاذ الأدب المملوكي وأستاذي في مادة العروض التي درستها على يديه مستمعاً وهو أستاذ قدير في مادته ولا شك، ولكنه ذات يوم تطوع للتعليق على قصص للشباب منها قصة لمحمد الخارجي بعنوان "النمل". في الأمسية تحدث الدكتور عن كل شيء إلا عن القصة ورموزها وفنيتها. قلت له يومها أنت أستاذي وأقدر ما قدمته لنا في محاضرات العروض، ولكن القصة الحديثة ليست تخصصك وليتك اعتذرت من الشباب ورشحت لهم غيرك.

وكتبت في مقال سابق الفقرة التالية: في العشر سنوات الأخيرة وفي الكويت تحديداً خرجت مجموعة من الأسماء المبشرة في الشعر والقصة والرواية، لا نريد سرد أسماء أصحابها كي لا نترك أحداً بسبب السهو، ولكننا لا نرى ناقداً واحداً مصاحباً لهذه الأسماء باستثناء فهد الهندال، الذي يحاول جاهداً في متابعات نقدية هنا وهناك. وغياب الأسماء النقدية المصاحبة للحركة الإبداعية جعل المهمة النقدية للأعمال الشعرية والروائية تقع على كاهل الأدباء أنفسهم رغم المساحة الضيقة التي يتحركون من خلالها.

فقدمت لي الزميلة باسمة العنزي اسم ناقدة كويتية لم أكن أعرفها من قبل هي الناقدة سعاد العنزي، التي تعمل بمتابعة مجموعة الأعمال التي تصدر في الكويت. وكان علي أن أتابع الأسم لأقرأ لها مقالات نقدية مميزة ومبشرة في تجربة منى الشمري الأخيرة ورواية إسماعيل فهد إسماعيل في حضرة العنقاء والخل الوفي. وفي القراءتين نتلمس حسا نقديا جميلا وموهبة في تشريح النص. سعاد العنزي اسم جديد نحن بأمس الحاجة إليه في القراءات النقدية الغائبة للكثير من الأعمال التي تستحق رؤية الناقد للعمل بعيداً عن اسم الكاتب لا مديح الزميل للزميل.

سعاد العنزي درست الرواية وكانت رسالتها للماجستير، وهي تحضر للحصول على الإجازة الجامعية لدرجة الدكتوراه في بريطانيا، وذلك يبشرنا بناقدة متمكنة من تخصصها ويمنحها اطلاعها آفاقا أرحب للبحث في النص وتفاصيله الخاصة. كما أنها ستكون إضافة للحركة النقدية الكويتية إذا لم تستطع الحياة الأكاديمية أن تأخذها منا كما أخذت من قبل أسماء جميلة مبشرة آثرت التدريس على المشاركة في الحركة النقدية.

الكتابة النقدية المتخصصة ليست كتابة جامدة كما يراها البعض ويتركها ليقوم بها الأديب والشاعر، هي كتابة نصية لا تقل جمالاً عن النص الأصلي.