«كان في أخلاق»

نشر في 21-01-2013
آخر تحديث 21-01-2013 | 00:01
 فوزية شويش السالم بدأت الزميلة العزيزة د. نجمة إدريس كتابة سيرتها الذاتية التي نشرت أجزاء منها في جريدة «الجريدة» قبل أسبوعين، وتأتي أهمية السيرة هذه من كونها شهادة من أستاذة أكاديمية شهدت فترة مهمة من زمن التغيرات التي طرأت على مختلف نواحي الحياة في الكويت، لعل أهمها سيدور حول التعليم والوضع الاجتماعي، وهما في رأيي الأكثر تغيرا في الكويت، وهو الأمر الذي أشارت إليه في مقالها المنشور، حيث بينت فيه الفرق ما بين التعليم السابق الذي كان يقوم بالرعاية الكاملة للتلاميذ من مأكل وملبس ومواصلات وكشف صحي وأشياء كثيرة لا تتوقف على التعليم فقط، التعليم الذي كان على يد خيرة المدرسين والمدرسات المنتقين من الدول العربية بحسب كفاءتهم الأدبية والعلمية التي أدت بالتالي إلى تعليم وخلق أجيال من الشباب الكويتي الذي قاد مسيرة الكويت التقدمية.

كتابتها ذكرتني بزمن الكويت التي كانت تتمتع فيه بعلاقات دافئة أصيلة موثقة بمحبة تواصل اجتماعي صادق بعيد عن المظاهر السطحية الكاذبة التي نراها اليوم، كان هناك رابط من التواصل والتآخي المحب والحقيقي على مختلف نواحي الحياة التي يعيشونها، وربما كان من حظ جيلنا أو من سوء حظه أنه خبر وذاق حلو ومر التجربتين التي قسمت الكويت إلى حياتين وواقعين اجتماعيين مختلفين، جعلت من جيلنا يشعر بـ"نوستالجيا" إلى زمن كانت فيه أخلاق، وإن لم تكن فيه ثقافة ووعي بشكل كبير، وعشنا الزمن الذي تلاه، والذي بات بلا أخلاق وبلا ثقافة.

فما الذي غير الحال إلى هذه الدرجة التي وصلنا إليها الآن، والتي غيرت الوضع الاجتماعي إلى 360 درجة؟

هل هو راجع إلى ازدياد التركيبة الاجتماعية ما أدى إلى اختلاط الحابل بالنابل، ولم يعد هناك الشعور بمعرفة من يحيط بدارك؟

مما رفع من درجة شعور الخوف والريبة والتوجس من الآخر، الذي كان في السابق لا يوجد في مجتمع الحياة الكويتية، التي تربط الجميع بميثاق الدم والمصاهرة، والتي يعيش أفرادها غالبا في منزل كبير يضم الأب والأم والأبناء إلى جانب الأعمام والأخوال والجدود والزوجات، وربما يكون هناك عدد أكبر من ذلك يتقاسمون العيش في منزل واحد كبير، وأحيانا يمارسون ذات المهنة أيضا، وطبق الطعام ذاته.

هذه الوحدة الأسرية المتآخية والمترابطة والمحبة باتت مفقودة، وذاك الوقت الذي كان يسوده الصدق والبساطة والثقة والآمان، بات من مخلفات زمن مضى كانت فيه الفرحة والسعادة تأتي من أبسط الأشياء وأقلها تكلفة أو مشقة، أذكر عندما كنا أطفالا كان مجرد عبور سيارتنا تحت السور، الذي كان في ذاك الوقت يفصل العاصمة عن ضواحيها الجديدة، يمثل لنا سعادة وفرحا كبيرا مثل زيارة مدينة ترفيهية، وكنا نغنى لهذا العبور وللبوابة المتبقية من السور، إلى هذا الحد كانت القناعة والسعادة تأتي من أبسط الأشياء وأقلها.

كان المهرجان الرياضي الذي تقيمه وزارة التعليم في الاحتفال السنوي لها يقيم الكويت ويقعدها، الكويت عن بكرة أبيها تذهب بفرح وبهجة لحضوره، ولم يكن أكثر من تشكيلات رياضية بسيطة عادية، لكنه كان يمثل حدثا حيا يحرك الحياة البسيطة الآمنة الوديعة.

الآن بات كل شيء موجودا مبهرجا وفائضا عن الحاجة، أكثر من المقدرة على متابعته أو استهلاكه، ليس فقط ما تقدمه الدولة أو الأفراد أو معطيات تقنيات الزمن الحديث، التي وضعت مباهج وتسليات الدنيا كلها في أجهزة بحجم الكف، تأتي الفرد بكل ما يريد أن يطلع عليه بكبسة زر وحيدة، ومع هذا لم تخلق وجودا لإنسانية سعيدة هانئة آمنة مطمئنة، بل الوفرة في المعطيات هذه كلها لم تعط إلا مزيدا من التوتر والقلق وانحلال العلاقات الأسرية الدافئة الآمنة المترابطة التي كان يعيش فيها الجميع بمحبة وأخلاق وحسن نية لا يعرفها الشيخ العريفي حين أفتى بعدم جلوس البنت مع أبيها من غير وجود أمها.

فهل وصلت بنا التغيرات وعدم الشعور بالأمان إلى هذه الدرجة؟

أن يبات الخوف والريبة حتى من أقرب المحارم إلينا؟

نحن في حاجة إلى معرفة الماضي حتى نفهم المستقبل، كان الماضي لا يحمل كل هذه الثقافة، ولكنه ملك الأدب والأخلاق، وجاءتنا حضارة اليوم ولم نستفد منها بثقافتها ولم نبق على أخلاق ماضينا.

back to top