الآن... الحيطة واجبة في أسواق المال

نشر في 19-06-2013 | 00:01
آخر تحديث 19-06-2013 | 00:01
No Image Caption
الاقتصاد الأميركي في حالة انتعاش غير مثير للإعجاب

نحن نعيش في عالم متصل، وحين تبدأ أسواق مختلفة في أطراف مختلفة من العالم التحرك بصورة حادة في الوقت نفسه، نفترض أن هذا ليس من قبيل المصادفة. هناك صلة، لكن ما هو المصدر السببي؟
خلال أسبوعي الأول في «فايننشال تايمز» قال لي صحافي أشيب الشعر يكتب مقالات عادية إن القاعدة الأولى في الصحافة هي «إياك أن تشعر بالخجل من الاعتراف بالجهل». لابد من إحياء هذه القاعدة، وأنا أحاول أن أشرح حركة الأسواق العالمية خلال الشهر الماضي.

نحن نعيش في عالم متصل. وحين تبدأ أسواق مختلفة في أطراف مختلفة من العالم التحرك بصورة حادة في الوقت نفسه، نفترض أن هذا ليس من قبيل المصادفة. هناك صلة، لكن ما المصدر السببي؟

خلال الأسابيع القليلة الماضية شهدنا ما يلي: أ) تراجع حاد في عملات الأسواق الناشئة. ب) عمليات بيع مكثفة في الأسهم اليابانية، إلى جانب عمليات بيع مكثفة في مجموعات من أسهم وسندات البلدان الناشئة. ج) تحرك حاد إلى الأعلى في العوائد على سندات الخزانة الأميركية. د) هبوط لا يستهان به في المبلغ الإضافي الذي يدفعه المستثمرون مقابل السندات الأميركية المرتبطة بالمؤشرات، ما يعني هبوطاً في التضخم المتوقع. وربما نضيف: ح) ضعف حاد في الدولار مقابل عملات أكبر الشركاء التجاريين، وعلى رأسها اليورو.

هذه ليست مصادفة، لكن هل كل هذا النشاط بسبب: أ) الأسواق الناشئة؛ ب) الاقتصاد الأميركي؛ ج) أحدث البيانات حول النوايا المستقبلية للبنك المركزي الأميركي، أي الاحتياطي الفدرالي؛ د) أم انها مجرد مصادفة في الأسواق حين تصبح تداولات وتعاملات معينة مزدحمة فوق الحد؟

من أجل تسخين الأمر، الأجوبة من أ) إلى د) لا تلغي بعضها بعضاً، بمعنى أنك تستطيع أن تختار أي عدد تريد من الأجوبة.

بيع مكثف

حجة الأسواق الناشئة هي كما يلي: البيع المكثف في أصول الأسواق الناشئة سواء كان متطرفاً ومؤلماً، رغم أنه لم يصل بعد إلى مستوى الأزمة، فقد عاد مؤشر إي إم بي آي من بنك جيه بي مورغان للسندات الحكومية إلى مستواه الذي كان عليه قبل سنة، في حين أن مؤشر مورغان ستانلي المركب لأسهم الأسواق الناشئة عاد إلى المستوى الذي كان عليه في سبتمبر الماضي.

وتراجعت أسهم أميركا اللاتينية بنسبة 30.9 في المئة عما كانت عليه عام 2009. وكان نموها ضعيفا، وساعدت عملاتها الضعيفة في تعميق أزمة سندات محتملة. وتراجع مؤشر جيه بي مورغان للعملات الأجنبية في الأسواق الناشئة بنسبة 5.3 في المئة خلال خمسة أسابيع، وهو قريب من مستواه المتدني بعد الأزمة.

وفي الوقت الذي تخرج فيه الأموال من الأسواق الناشئة، فهي تصدِّر الانكماش إلى بقية العالم. وهذا يفسر السبب وراء نقاط التعادل الهابطة في التضخم الأميركي.

لكن هذا لا ينسجم بصورة مريحة مع التوقعات بأن الاحتياطي الفدرالي سيبدأ في التراجع عن سياسته النقدية المتساهلة، في حين أن الارتفاع في عوائد السندات الأميركية، وهو ارتفاع ملحوظ جدا الآن، ليس له معنى يذكر، وإذا كان الناس قلقين من الانكماش الاقتصادي ويريدون ملاذاً آمناً من مشاكل الأسواق الناشئة، فمن المؤكد أنه يجدر بهم شراء سندات الخزانة ودفع الأسعار إلى الأدنى.

ماذا عن الاقتصاد الأميركي؟ يظل واقعا في انتعاش واضح وإن كان لا يثير الإعجاب، فقد وصل سوق الإسكان إلى أدنى مستوياته، ويبدو أنه دخل في اتجاه عام صاعد، كما أن سوق العمل مستقر. ويعتبر ارتفاع عوائد السندات باتجاه مستوى طبيعي أكثر هو رد فعل مباشر على هذا، مثلما هو التعديل في التوقعات بشأن الاحتياطي الفدرالي، ويعود الاقتصاد إلى الوضع الطبيعي، بالتالي لابد للأسواق أن تفعل الشيء نفسه. ولا عجب في أن حركة الأموال من الأسواق الناشئة عائدة باتجاه الولايات المتحدة.

هل هذا التفسير ناجح؟ الاقتصاد ذو المظهر الأقوى يمكن أن يبرر التوقعات بقيام الاحتياطي الفدرالي بتشديد السياسة النقدية عاجلاً وليس آجلاً، وهو أمر من شأنه أن يدفع بعوائد السندات إلى أعلى. لكن يفترض في هذا أن يقوي من وضع الدولار مقابل عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين، لكنه في الواقع تراجع بصورة حادة، وأن يؤدي إلى ارتفاع التوقعات التضخمية، بينما هي في الواقع تراجعت.

توقعات الانكماش

ويتحول سوق السندات نحو توقعات الانكماش، وتوقعه للتضخم على مدى عشر سنوات، الذي يبلغ الآن 2.07 في المئة، بحاجة إلى أن يهبط فقط إلى مستوى 1.07 في المئة قبل أن يصل إلى المستويات التي أثارت الاحتياطي الفدرالي إلى إطلاق عملية «تويست» في 2011، التي كانت برنامجا قويا لتسهيل السياسة النقدية.

بالتالي، هل نستطيع إلقاء اللوم على الاحتياطي الفدرالي؟ بالتأكيد هناك خلط حول نواياه، لكن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى أن الصورة الاقتصادية نفسها متوازنة على نحو يتسم بالدقة، والاحتياطي الفدرالي يتحرك بحسب البيانات. وتطرف الحركة يمكن أن يبين القدر الكبير من القلق حول البنك؛ إذ من الصعب أن ننسب القلق إلى رسائل مختلطة بصورة خاصة من البنك المركزي.

هل يمكن لكل شيء أن يتراجع إلى الأدنى، بسبب عوامل فنية؟ كثير من الأموال صُبَّت في الأماكن نفسها في الوقت نفسه. وحين بدأ بعضها بالخروج كان هناك نقص في المشترين، وبالتالي لم يكن التراجع في الأسعار مفاجئاً. وتنطبق هذه الحجة بقوة على سندات الأسواق الناشئة، التي تفتقر إلى سوق ثانوي نشط.

وإذا كانت البنوك المركزية في أوروبا الشرقية تدافع عن عملاتها، من خلال شراء اليورو، فمن الممكن لهذا أن يفسر السبب في تراجع الدولار مقابل العملات الكبيرة مثل اليورو. لكن يظل من الصعب أن ننسب جميع التحولات في الأسواق العالمية خلال يونيو لأسباب فنية، فكثير من الأسواق تبدو منهكة بشكل كبير، وليس هناك عدد كبير منها يشعر بالنشوة.

والاستثمار في مثل هذه الظروف أصعب ما يمكن. والظروف منسجمة إلى حد كبير –لكن ليس تماما– مع العودة إلى الوضع الطبيعي. وهي كذلك منسجمة إلى حد كبير –لكن ليس تماما– مع بداية أزمة تأتي في وقتها في الأسواق الناشئة.

وفي مثل هذه الظروف من الأفضل أن نتجاهل الذين يقولون إنهم يعلمون ما يجري، وأن تعترف بالجهل وتتحوط لحماية رهاناتك.

*(فايننشال تايمز)

back to top